وآثارا تشهد له بذلك، تؤيد أن نيله لتلك المكانة العلمية كان عن جدارة واستحقاق.
ولا نريد أن نتناول - بالتفصيل - جميع جوانب حياته العلمية في هذه العجالة فلذلك دراسة أخرى، ولكن ما نريده - هو الإشارة إلى فضل الرجل وطول باعه في علم الأصول والفقه خاصة ليكون ذلك تمهيدا مناسبا بين يدي آثاره الأصولية وفي مقدمتها " المحصول ".
فالرازي أصولي - على طريقة المتكلمين ن، وفقيه شافي، وأصحابه يعرفون له قدره، ويضعونه في مقدمة أهل التحقيق من الأصوليين، ويخصونه بلقب " الامام ". كما مر. ولقد استوعب - وهو لا يزال في مقتبل العمر - أهم الكتب الأصولية لسابقيه، فدرس " البرهان " لإمام الحرمين " و " العهد " للقاضي عبد الجبار، وحفظ المستصفى للغزالي و " المعتمد " لأبي الحسين البصري.
ولكنه حين أخذ يكتب في الأصول لم يسر وراء من سبقوه سير مقلد يجمع ما قالوا، ثم يلخصه ويقرره، كما قد يتصور البعض، ولكنه نظر فيما جاء في تلك الكتب نظرة الفاحص المدقق، والناقد البصير وملاحظاته على سابقيته تدل على ذلك (1).
ولعل هذه أهم مزاياه - التي امتاز بها على صنوه الامديي صاحب " إحكام الاحكام " - الذي لخص فيه الكتب الأصولية الأربعة.
فإنه - رحمه الله كثيرا ما يستدرك على إمام الحرمين والغزالي وأبي الحسن والقاضي عبد الجبار وغيرهم ويتعقب أقوالهم ويختار منها، وأحيانا يستدرك عليهم جميعا ليختار هو ما يراه الأنسب أو الأقوى وسنلاحظ ذلك في كثير من المسائل في " المحصول " وأحيانا يتعجب من الأصوليين - عامة - ويستغرب بعض مواقفهم، فيقول " والعجب من الأصوليين: أنهم أقاموا الدلالة على خبر الواحد أنه حجة في الشرع ولم يقيموا الدلالة على ذلك في اللغة وكان هذا أولى لان إثبات اللغة كالأصل