العجم - وبعد أن قرر هذا قال: " وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته " (1).
ويقول ول ديورانت في كتابه " قصة الحضارة " - بعد أن تحدث عن الكثيرين من الحكام المسلمين وخصائصهم، وقارنهم بأمثالهم من حكام الإفرنج: " وجرى هؤلاء الحكام المسلمون جميعهم، بل وصغار الملوك أنفسهم على سنة الخلفاء العباسيين: في مناصرة الآداب والفنون... ثم ذكر حواضر الاسلام كبغداد ودمشق، والري، وهراة وسواها، وبين أزهار العلوم فيها، وقرر أنها كانت أكثر مدن العالم ثقافة وجمالا، وقصارى القول: إن هذا العصر كان عصر اضمحلال متلألئا ساطعا " (2).
وأما " الري " المحيط الصغير للفخر - الذي ولد فيه وترعرع: - فالناظر في تاريخا يجدها مسرحا لمختلف الآراء والأفكار والمذاهب حتى ليخيل إليه أن هذه المدينة معرض واسع، يشتمل على نماذج من كل ما كان في البيئة الاسلامية الكبرى من الآراء والمذاهب إضافة إلى العلوم المختلفة وكلها تتعايش في هذه البيئة الصغيرة بشكل يدعو إلى العجب.
ولا شئ يوضح هذه الحقيقة مثل موقف الإمام ابن فارس اللغوي: أبى الحسين الرازي الفقيه الشافعي الذي تحول إلى مذهب الامام مالك - رضي الله عنهما - وقوله في سبب تحوله هذا: " دخلتني الحمية لهذا الامام المقبول على جميع الألسنة، أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه، فعمرت مشهد الانتساب إليه، حتى يكمل لهذا البلد فخره وفإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلافات في المذاهب على تضادها وكثرتها (3).