وقد تصدى في الكفاية لدفع الاشكال، وقال ما حاصله: ان الفرق بينهما من جهة الداعي والباعث فإذا كان الداعي والباعث على طلب شئ وإرادته المصلحة الكائنة في نفس العمل فالواجب نفسي وإن كان فيه أيضا ملاك المقدمية، واما لو كان الداعي والباعث على طلبه المصلحة المقدمية فالواجب غيري وإن كان فيه أيضا مصلحة مستقلة فإنه يخرج حينئذ عن كونه نفسيا ويكون واجبا غيريا. ولكنه كما ترى فإنه لو فرض تصوره في الشرعيات غير جار في الواجبات العرفية المتداولة بين أنفسنا، وذلك من جهة وضوح ان الداعي و الباعث في جميع الواجبات العرفية هو حيث مقدميتها ومن ذلك ترى انه لو أمرت عبدك بإتيان الماء فسألك عن انك لأي غرض أمرت بإتيان الماء تقول بأنه لغرض الشرب ولو سأل عن ذلك أيضا تقول بأنه أريد الشرب لغرض رفع العطش وهو لغرض استراحة النفس التي هي غرض الأغراض، وحينئذ فإذا كان لب الإرادة في جميع الواجبات العرفية غيريا يتوجه الاشكال المزبور بأنه كيف الحال لهذا التقسيم.
وقد أجيب أيضا عن الاشكال بان حقيقة الإرادة التشريعية بعد ما كانت عبارة عن إرادة الفعل من الغير يكون الواجب النفسي عبارة عما كان مرادا من المكلف لا لأجل مراد آخر منه، والواجب الغيري ما كان مرادا لأجل مراد آخر منه أيضا، فإذا أراد شراء اللحم من زيد لغرض الطبخ فإن كان طبخه أيضا مرادا منه يكون ذلك واجبا غيريا وان لم يكن طبخه مرادا منه يكون واجبا نفسيا، وعليه فمثل الصلاة والصوم والحج ونحوها مما لم يرد من المكلف مصالحها يكون من الواجب النفسي، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور. ولكن فيه ان الإرادة التشريعية ليست الا عبارة عن إرادة وجود العمل بما انه فعل اختياري للمكلف وان إضافة نشوء كونه منه انما هو من جهة اقتضاء توجيه التكليف بالايجاد إليه، وذلك أيضا بلحاظ انه - من جهة كونه فعله الاختياري - غير قابل للتحقق الا من قبله والا فلا يكون المراد بالإرادة التشريعية الا نفس فعل الغير. وعليه نقول: بأنه إذا لا يكون الامر بشراء اللحم من جهة مطلوبية الشراء نفسا مع قطع النظر عن الطبخ بل كان ذلك من جهة مقدميته لغرض الطبخ الذي هو لغرض الاكل فلا جرم لا تكون هذه الإرادة الا غيرية، ومع يتوجه الاشكال المزبور من لزوم خروج أكثر الواجبات النفسية كما لا يخفى.