السارية من جهة ما هو المعلوم من انحلالية التكليف غالبا فيها خصوصا في النواهي النفسية الشرعية فإنه لم يوجد فيها مورد يكون النهي فيه من قبيل صرف الوجود مع أنه كما ترى يبعد الالتزام به جدا. وهذا بخلافه على ما ذكرنا فإنه لا يلزمه اختلاف نتيجة الحكمة بوقوع الطبيعي في حيز الامر أو النهى، بل النتيجة على هذا المسلك في جميع الموارد عبارة عن معنى وحداني، وهو ذلك المعنى اللابشرط المقسمي المحفوظ في ضمن جميع الأقسام والصور المتقدمة الذي من شأنه الانطباق على الافراد العرضية والطولية ولو بتوسيط انطباقه على الطبيعة الصرفة والمأخوذة بنحو السريان.
غاية ما هناك ان الفرق حينئذ بين الأوامر والنواهي - من حيث سقوط التكليف بأول وجود في الأول، وعدم سقوطه وانحلالية التكليف إلى تكاليف متعددة في الثاني واقتضائه لامتثالات متعددة - انما كان من جهة المصلحة والمفسدة القائمة بالطبيعي من حيث الشخصية والسنخية، فحيث ان الغالب في الأوامر هو كون المصلحة فيها على نحو الشخص، وكان من لوازم شخصيتها عقلا حصولها وتحققها بتمامها بأول وجود الافراد، بخلافه في طرف النواهي، فان الغالب في المفاسد فيها هو كونها على نحو السنخ الموجب لمبغوضية الطبيعي مهما وجد وفي ضمن أي فرد تحقق من الافراد العرضية والطولية بالبغض المستقل، أوجب ذلك الفرق المزبور بين الأوامر و النواهي.
وبالجملة فتمام الفرق على هذا المسلك انما هو من جهة المصلحة والمفسدة القائمة بالطبيعي من حيث الشخصية والسنخية، والا ففي طرف معروض المصلحة والمفسدة لا يكاد اختلاف نتيجة الحكمة بحسب الموارد، فإنه على كل تقدير وفي جميع الموارد عبارة عن ذاك المعنى اللابشرط المقسمي المحفوظ في جميع الأقسام من الاعتبارات المتقدمة الذي عرفت انطباقه على القليل والكثير وعلى الافراد العرضية والطولية، غاية الأمر في فرض كون المصلحة والمفسدة على نحو الشخص يسقط التكليف عن الطبيعي بامتثال واحد فعلا أو تركا، من جهة تحقق تمام المصلحة حينئذ بإيجاد واحد. واما في فرض قيام سنخ المصلحة والمفسدة بالطبيعي فلا يسقط التكليف عن الطبيعي رأسا بامتثال واحد، بل لا بد من امتثالات متعددة، من جهة اقتضاء المصلحة السنخية لمطلوبية الطبيعي مهما وجدت ولو في ضمن الافراد الطولية. ففي الحقيقة الاكتفاء بأول وجود في موارد قيام شخص المصلحة أو المفسدة انما هو من جهة القصور في التكليف والمصلحة عن الشمول للوجود بعد الوجود،