درر الفوائد - الشيخ عبد الكريم الحائري - ج ١ - الصفحة ٢٥
الجاهل وحاشيته وحكومته الجائرة، كل ذلك من أجل هدم ما بناه الشيخ وإضعافه.
وكان الشيخ واثقا بأنه هو المقصود، وان تلك الاستفزازات تستهدف شخصه، فقد كانوا يستفرونه بين الآونة والأخرى لعلهم يجدون ذريعة يحتجون بها عليه، ليواجه المصير المرسوم، في وقت لا تتوقر فيه إمكانيات المواجهة والتصدي لكنه كان يقظا على ذلك وغير غافل عنه.
وفي ذلك الوقت، وتلك الظروف السوداء قاوم هذا العالم المخلص ديكتاتورية الملك وإباحيته، ووقف في وجهه مجندا كل إمكانياته و قابلياته، موطنا نفسه للعظام، ومضحيا في سبيل دعوته بكل ما يملك. ولم تفت في عضده أو توهن من عزمه أو تسرب اليأس والقنوط إلى نفسه كل تلك المحاولات اللئيمة، والمساعي الخبيثة التي بذلها سماسرة السوء وزبانية الشر، وأعداء الدين والخير والفضيلة، وهكذا بقي يقاوم كل ما يعترض طريقه من عقبات وعراقيل، حتى كلل سعيه بالنجاح وانتصر، وباء خصومه بالصفقة الخاسرة، وعادوا يجرون أذيال الفشل " ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون " (1).
أجل؛ في هذه الظروف كان الحائري يعمل على توسيع دائرة الحوزة العلمية في قم ونشر الدعوة ودعم هيكل الدين وإشادة مجد الإسلام بتنفيذ أحكامه وتطبيق نظامه.
وهكذا نمت البذرة الصالحة في تلك التربة الطيبة، واتسعت الحوزة العلمية إتساعا غير منتظر. وما مضت السنوات والأعوام حتى إزدهرت الحياة الدينية والثقافية، وتعددت الهيئات العلمية. وإذا بالكيان الذي شادته البطولات الخارقة والهمم العالية، ضخما جبارا يضاهي الثريا رفعة وشموخا.
كان " قدس سره " كثير البر بالطلاب والعلماء، شديد العطف عليهم والعنابة بهم، ويرعى الصغير والكبير. وبالرغم من تعيينه لموزعي الرواتب وتوكيله للثقات من أصحابه وتلامذته للقيام باللوازم والاستفسار عن النواقص، مع ذلك كان يتولى بعض الأمور بشخصه ويباشرها بنفسه. وكان أعد لهم كل شئ قد يحتاجون إليه، حتى أنه

(1) سورة فصلت: الآية 16.
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 31 ... » »»