فريق منهم بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (1) انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (2) ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون (3) فكيف يدعى الناس إلى الله الا ان يدعوا إلى كتابه، وكيف يدعون إلى رسوله الا ان يدعوا إلى سنته، فإذا زعمتم ان من الحكم ما ليس في الكتاب ولا في السنة أليس قد أبطلتم دعاء الناس إلى الله والى رسوله، ولو اقتصصنا كل ما فيه الاحتجاج عليكم من الكتاب لكتبنا أضعاف ما كتبنا، وفيما اقتصصنا ما يكتفى به من يعقل.
انتهى كلام الفضل.
أقول: لما كان أهل الخلاف المتسمين بالسنة جاهلين بالكتاب والسنة منكرين لفضل أئمة الحق عليهم السلام اضطروا إلى القول بالرأي والاجتهاد وانكار كون أحكام الشرع كلها مبينة في الكتاب والسنة فإنهم انفوا ان لا يعلموها، وأيضا فان أئمتهم كانوا مجتهدين في الاحكام لأنهم كانوا أصحاب اغراض وأهواء فكانوا يتبعونهم في ذلك واما الشيعة فلعلم أئمتهم عليهم السلام بجميع احكام الشرع وتبليغهم أكثر الاحكام إليهم لم يحتاجوا إلى ذلك ولم يأنفوا من رد بعض الأحكام إلى أئمتهم عليهم السلام.
ومما يدل على أن أئمة أهل الخلاف سنوا لهم الاجتهاد والقول بالرأي ما قاله ابن أبي الحديد من علمائهم في شرحه لنهج البلاغة فإنه قال عند رده على من زعم أن عمر كان أحسن سياسة وأصح تدبيرا في الحروب وغيرها من أمير المؤمنين عليه السلام ما محصله:
ان أمير المؤمنين (ع) كان مقيدا بقيود الشريعة ملتزما لاتباعها وان عمر كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النصوص بالآراء والاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدب بالدرة والسوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب