* ونزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الكبير * وقد بين تعالى خلقه ابتداء من نطفة فعلقة إلى آخره في أكثر من موضع، كما في قوله: * (ألم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والا نثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) *.
وكذلك في هذه السورة التنبيه على البعث بقوله: * (فما يكذبك بعد بالدين) *.
أما الجانب المعنوي فهو الجانب الإنساني، وهو المتقدم في قوله: * (ونفس وما سواها) *، على ما قدمنا هناك، من أن النفس البشرية هي مناط التكليف، وهو الجانب الذي به كان الإنسان إنسانا، وبهما كان خلقه في أحسن تقويم، ونال بذلك أعلى درجات التكريم: * (ولقد كرمنا بنىءادم) *.
والإنسان وإن كان لفظا مفردا إلا أنه للجنس بدلالة قوله: * (ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) *، وهذا مثل ما في سورة * (والعصر * إن الإنسان لفى خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) *، فباستثناء الجمع منه، علم أن المراد به الجنس.
والتأكيد بالقسم المتقدم على خلق الإنسان في أحسن تقويم، يشعر أن المخاطب منكر لذلك، مع أن هذا أمر ملموس محسوس، لا ينكره إنسان.
وقد أجاب الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على ذلك: بأن غير المنكر إذا ظهرت عليه علامات الإنكار، عومل معاملة المنكر، كقول الشاعر: وقد أجاب الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على ذلك: بأن غير المنكر إذا ظهرت عليه علامات الإنكار، عومل معاملة المنكر، كقول الشاعر:
* جاء شقيق عارضا رمحه * وإن بني عمك فيهم رماح * وأمارات الإنكار على المخاطبين، إنما هي عدم إيمانهم بالبعث، لأن العاقل لو تأمل خلق الإنسان، لعرف منه أن القادر على خلقه في هذه الصورة، قادر على بعثه.
وهذه المسألة أفردها الشيخ في سورة الجاثية بتنبيه على قوله تعالى: * (وفى خلقكم وما يبث من دآبة ءايات لقوم يوقنون) *، وتكرر هذا البحث في عدة مواضع، وأصرح دلالة على هذا المعنى ما جاء في آخر يس، * (وضرب لنا مثلا ونسى