تنبيه آخر * (الذى علم بالقلم) *، لا يمنع تعليمه تعالى بغير القلم، كما في قصة الخضر مع موسى عليه السلام في قوله تعالى: * (فوجدا عبدا من عبادنآ ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) *.
وكما في حديث (نفث في روعي أنه لن تموت نفس، حتى تستكمل رزقها وأجلها) الحديث.
وكما في حديث الرقية بالفاتحة لمن لدغته العقرب في قصة السرية المعروفة، فلما سأله صلى الله عليه وسلم (وما يدريك أنها رقية؟ قال: شيء نفث في روعي).
وحديث علي لما سئل (هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم؟ قال: لا، إلا فهما يؤتيه الله من شاء في كتابه. وما في هذه الصحيفة).
وقوله: واتقوا الله ويعلمكم الله. نسأل الله علم ما لم نعلم، والعلم بما نعلم. وبالله التوفيق. * (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رءاه استغنى) *. ظاهر هذه الآية أن الاستغناء موجب للطغيان عند الإنسان، ولفظ الإنسان هنا عام، ولكن وجدنا بعض الإنسان يستغني ولا يطغى، فيكون هذا من العام المخصوص، ومخصصه إما من نفس الآية أو من خارج عنها، ففي نفس الآية ما يفيده قوله تعالى: * (أن رءاه) *، أي إن رأي الإنسان نفسه، وقد يكون رأيا واهما ويكون الحقيقة خلاف ذلك، ومع ذلك يطغى، فلا يكون الاستغناء هو سبب الطغيان.
ولذا جاء في السنة: ذم العائل المتكبر، لأنه مع فقره يرى نفسه استغنى، فهو معنى في نفسه لا بسبب غناه.
أما من خارج الآية، فقد دل على هذا المعنى قوله تعالى: * (فأما من طغى * وءاثر الحيواة الدنيا * فإن الجحيم هى المأوى) *، فإيثار الحياة الدنيا هو موجب الطغيان، وكما في قوله: * (الذى جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا) *.