أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٩ - الصفحة ٢٧
ومفهومه: أن من لم يؤثر الحياة الدنيا، ولم يحسب أن ماله أخلده، لن يطغيه ماله ولا غناه، كما جاء في قصة النفر الثلاثة الأعمى والأبرص والأقرع من بني إسرائيل.
وقد نص القرآن على أوسع غنى في الدنيا في نبي الله سليمان، آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، ومع هذا قال: * (إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربى حتى توارت بالحجاب ردوها على) *.
وقصة الصحابي الموجودة في الموطأ: لما شغل ببستانه في الصلاة، حين رأى الطائر لا يجد فرجة من الأغصان، ينفذ منه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله: إني فتنت ببستاني في صلاتي، فهو في سبيل الله) فعرفنا أن الغنى وحده ليس موجبا للطغيان، ولكن إذا صحبه إيثار الحياة الدنيا على الآخرة، وقد يكون طغيان النفس من لوازمها لو لم يكن غنى. إن النفس لأمارة بالسوء. وأنه لا يقي منه إلا التهذيب بالدين كما قال تعالى: * (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الا رض ولاكن ينزل بقدر ما يشآء) *.
وقد ذكر عن فرعون تحقيق ذلك حين قال: * (أليس لى ملك مصر وهاذه الا نهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون) *، وكذلك قال قارون * (إنمآ أوتيته على علم عندى) *، وقال: ثالث الثلاثة من بني إسرائيل (إنما ورثته كابرا عن كابر بخلاف المسلم) إلى آخره. فلا يزيده غناه إلا تواضعا وشكرا للنعمة، كما قال نبي الله سليمان * (قال هاذا من فضل ربى ليبلونى أءشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم) *، وقد نص في نفس السورة أنه شكر الله * (فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين) *.
وفي العموم قوله: * (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين) *.
وقد كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحاب المال الوفير فلم يزدهم إلا قربا لله، كعثمان بن عفان رضي الله عنه، وعبد الرحمان بن عوف، وأمثالهم، وفي الآية
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»