أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٧٥
فإلحاق يوم المولد بيوم العيد إلحاق لا أساس له، لأنه إلحاق ليس بجامع بينهما ولا نفي فارق ولا إلحاق البتة إلا بجامع أو نفي فارق.
وكل من لم يطمس الله بصيرته يعلم أن الحق الذي لا شك فيه هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ومعلوم أن جعل يوم المولد كيوم العيد في منع الصوم لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا أحد من الأئمة الأربعة.
فهو تشريع لاستقباح قربة الصوم ومنعها في يوم المولد من غير استناد إلى وحي ولا قياس صحيح ولا قول أحد ممن يقتدى به.
ومما لا نزاع فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين كما قال تعالى: * (ومآ أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * ورسالته صلى الله عليه وسلم هي أعظم نعمة على الخلق كما بينه علماء التفسير في الكلام على قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا) *، والخير كل الخير في اتباعه صلوات الله وسلامه عليه، والشر كل الشر في تشريع ما لم يشرعه والتقول عليه بما لم يقله.
فالمقلدون لمالك مثل هذا التقليد الأعمى يعتقدون أن هذا الكلام الذي ذكره الحطاب عن زروق وابن عباد وابن عاشر، أنه هو مذهب مالك وأنه من شرع الله ودينه، وأنه ما دام من مذهب مالك، فاللازم تقديمه على الكتاب والسنة لأنهما لا يجوز العمل إلا للمجتهد المطلق.
وهذا مثال من بلايا التقليد الأعمى وعظائمه.
ولا يخفى أن ادعاء أن وجود نعم الله كمولد النبي صلى الله عليه وسلم يدل على استقباح طاعة الله بالصوم في أوقات وجود تلك النعم ظاهر الفساد، لأن المناسب لنعم الله هو طاعته بأنواع الطاعات كالصوم.
ولذا تجد الناس ينذرون لله صوم اليوم الذي ينعم الله عليهم فيه بشفاء المريض أو إتيان الغائب، وهذا أمر معروف وهو المعقول لا عكسه.
ومما يوضح هذا أن إنزال القرآن العظيم هو أعظم نعمة على البشر.
ولأجل ذلك علمهم الله حمده تعالى على هذه النعمة العظمى في أول سورة الكهف في قوله تعالى
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»