الذي هو الجزاء لا يصح التمثيل بها لهذه الآية بوجه من الوجوه، وأن ما ظنه الفخر الرازي من صحة التمثيل لها بذلك غلط فاحش منه بلا شك، وإيضاح ذلك أن كل شرطية كاذبة الشرط صادقة الجزاء عند إزالة الربط لا بد أن يكون موجب ذلك فيها أحد أمرين لا ثالث لهما البتة.
وكلاهما يكون الصدق به من أجل أمر خاص لا يمكن وجود مثله في الآية الكريمة التي نحن بصددها، بل هو مناقض لمعنى الآية.
والاستدلال بوجود أحد المتناقضين على وجود الآخر ضروري البطلان.
ونعني بأول الأمرين المذكورين كون الشرطية اتفاقية لا لزومية أصلا.
وبالثاني منهما كون الصدق المذكور، من أجل خصوص المادة.
ومعلوم أن الصدق من أجل خصوص المادة لا عبرة به في العقليات، وأنه في حكم الكذب لعدم اضطراده، لأنه يصدق في مادة ويكذب في أخرى.
والمعتبر إنما هو الصدق اللازم المضطرد، الذي لا يختلف باختلاف المادة بحال.
ولا شك أن كل قضية شرطها محال لا يضطرد صدقها إلا إذا كان جزاؤها محالا خاصة.
فإن وجدت قضية باطلة الشرط صحيحة الجزاء، فلا بد أن يكون ذلك، لكونها اتفاقية أو لأجل خصوص المادة فقط.
فمثال وقوع ذلك لكونها اتفاقية قولك: إن كان زيد في السماء لم ينج من الموت.
فالشرط الذي هو كونه في السماء باطل والجزاء الذي هو كونه لم ينج من الموت صحيح.
وإنما صح هذا لكون هذه الشرطية اتفاقية.
ومعلوم أن الاتفاقية لا علاقة بين طرفيها أصلا.
فلا يقتضي ثبوت أحدهما ولا نفيه ثبوت الآخر ولا نفيه، فلا ارتباط بين طرفيها في المعنى أصلا وإنما هو في اللفظ فقط.
فكون زيد في السماء لا علاقة له بعدم نجاته من الموت أصلا، ولا ارتباط بينهما إلا في اللفظ.
فهو كقولك: إن كان الإنسان ناطقا فالفرس صاهل.
وقد قدمنا إيضاح الفرق بين الشرطية اللزومية والشرطية الاتفاقية في سورة