مقدم عندهم على غسل الطيب ولو لصق بالمحرم طيب يوجب الفدية، لزمه المبادرة إلى إزالته فإن أخره عصى ولا تتكرر به الفدية والاكتحال عندهم بما فيه طيب حرام، فإن احتاج إليه اكتحل به ولزمته الفدية.
وأما الاكتحال بما لا طيب فيه، فإن كان فيه زينة كره عندهم: كالإثمد، وإن كان بما لا زينة فيه: كالتوتيا الأبيض فلا كراهة.
وقال النووي بعد أن ذكر الإجماع على تحريم الطيب للمحرم: ومذهبنا أنه لا فرق بين أن يتبخر، أو يجعله في ثوبه، أو بدنه، وسواء كان الثوب مما ينغض الطيب، أم لم يكن.
قال العبدري: وبه قال أكثر العلماء.
وقال أبو حنيفة: يجوز للمحرم أن يتبخر بالعود، والند، ولا يجوز أن يجعل شيئا من الطيب في بدنه، ويجوز أن يجعله على ظاهر ثوبه، فإن جعله في باطنه، وكان الثوب لا بنقض، فلا شيء عليه، وإن كان بنقص لزمته الفدية ا ه منه.
والظاهر المنع مطلقا لصريح الحديث الصحيح في النهي عن ثوب مسه ورس أو زعفران، وكل هذه الصور يصدق فيها: أنه مسه ورس أو زعفران، وغيرهما من أنواع الطيب وحكمه كحكمهما، كما أوضحنا الأحاديث الدالة عليه في أول الكلام في هذه المسألة التي هي مسألة ما يمتنع على المحرم بسبب إحرامه. وكذلك المتبخر بالعود متطيب عرفا، والأحاديث دالة على اجتناب المحرم للطيب كما تقدم، والعلم عند الله تعالى.
وقال النووي في شرح المهذب: قد ذكرنا أن مذهبنا: أن الزيت، والشيرج، والسمن، والزبد ونحوها من الأدهان غير المطيبة، لا يحرم على المحرم استعمالها في بدنه ويحرم عليه في شعر رأسه ولحيته.
وقال الحسن بن صالح: يجوز استعمال ذلك في بدنه وشعر رأسه ولحيته.
وقال مالك: لا يجوز أن يدهن بها أعضاءه الظاهرة كالوجه، واليدين، والرجلين، ويجوز دهن الباطنة: وهي ما يوارى باللباس.
وقال أبو حنيفة: كقولنا في السمن والزبد، وخالفنا في الزيت والشيرج فقال: يحرم استعمالها في الرأس والبدن.
وقال أحمد: إن ادهن بزيت أو شيرج: فلا فدية في أصح الروايتين، سواء دهن يديه أو رأسه.
وقال داود: يجوز دهن رأسه، ولحيته، وبدنه بدهن غير مطيب.
وحجة من قال بهذا حديث جاء بذلك: فقد قال البيهقي في السنن الكبرى: أخبرنا أبو ظاهر الفقيه، وأبو سعيد بن أبي عمرو قراءة عليهما، وأبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني إملاء قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، أنبأ أبو سلمة الخزاعي، أنبأ حماد بن سلمة، عن فرقد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم) يعني غير مطيب، لم يذكر ابن يوسف تفسيره. قال الإمام أحمد: ورواه الأسود بن عامر شاذان، عن حماد بن سلمة، عن فرقد، عن سعيد، عن ابن عمر فذكره من غير تفسير ا ه منه: ثم ذكر بإسناده عن أبي ذر رضي الله عنه: أنه مر عليه قوم محرمون، وقد تشققت أرجلهم فقال: ادهنوها. وفرقد المذكور في سند هذا الحديث، هو فرقد بن يعقوب السبخي بفتح السين المهملة والباء الموحدة وبخاء معجمة: أبو يعقوب البصري، وهو معروف بالزهد والعبادة. ولكنه ضعفه غير واحد. وقال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق عابد، لكنه لين الحديث كثير الخطأ. وقال النووي في شرح المهذب: واحتج أصحابنا بحديث فرقد السبخي الزاهد رحمه الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم) رواه الترمذي والبيهقي، وهو ضعيف. وفرقد غير قوي عند المحدثين. قال الترمذي: هو ضعيف غريب، لا يعرف إلا من حديث فرقد، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد. وقوله: غير مقتت: أي غير مطيب انتهى محل الغرض منه.
وفي القاموس: وزيت مقتت طبخ بالرياحين أو خلط بأدهان طيبة، واحتجاج الشافعية بهذا الحديث الذي ذكرنا على جواز دهن جميع البدن غير الرأس واللحية بالزيت والسمن ونحوهما فيه أمران:
الأول: أن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، لضعف فرقد المذكور.
والثاني: أنه على تقدير صحة الاحتجاج به فظاهره عدم الفرق بين الرأس واللحية وبين سائر البدن، لأن الأدهان فيه مطلق غير مقيد بما سوى الرأس واللحية ا ه.
وحجة من منع الأدهان بغير الطيب، لأنه يزيل الشعث الحديث الذي فيه (انظروا إلى عبادي جاؤوا شعثا غبرا) وهو مشهور، وفيه دليل على أنه لا ينبغي إزالة الشعث، ولا التنظيف. والله أعلم.
وقال النووي في شرح المهذب: قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن. قال: وأجمع عوام أهل العلم، على أنه له دهن بدنه بالزيت والشحم والشيرج والسمن، قال: وأجمعوا على أنه ممنوع من حيث استعمال الطيب في جميع بدنه.
وقال النووي أيضا: الحناء ليس بطيب عندنا كما سبق: ولا فدية، وبه قال مالك، وأحمد، وداود. وقد قدمنا أن الخضاب بالحناء: يوجب الفدية عند المالكية، ثم قال النووي: وقال أبو حنيفة: هو طيب يوجب الفدية، وإذا لبس ثوبا معصفرا: فلا فدية، والعصفر: ليس بطيب هذا مذهبنا، وبه قال أحمد وداود، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر