* إن علل الحكم بعلة غلب * وجودها اكتفى بذا عن الطلب * وإيضاحه: أن الغالب كون الإنسان يجد ريح الطيب، فأنيط الحكم بالأغلب الذي هو وجوده ريح الطيب، فلو تخلفت الحكمة في الأخشم الذي لا يجد ريح الطيب لم يتخلف الحكم لإناطته بالمظنة، وقد أوضحنا هذه المسألة وأكثرنا من أمثلتها في غير هذا الموضع.
وقد تقرر في الأصول: أن وجود الحكم مع تخلف حكمته من أنواع القادح المسمى بالكسر، وقد أشار إلى ذلك صاحب المراقي بقوله في مبحث القوادح: وقد تقرر في الأصول: أن وجود الحكم مع تخلف حكمته من أنواع القادح المسمى بالكسر، وقد أشار إلى ذلك صاحب المراقي بقوله في مبحث القوادح:
* والكسر قادح ومنه ذكرا * تخلف الحكمة عنه من درا * وهذا الذي قررنا في مسألة الأخشم مبني على القول، بأن الكسر بتخلف الحكمة عن حكمها، لا يقدح في المعلل بالمظان، كما أوضحنا، والعلم عند الله تعالى.
واعلم: أن الحكمة في اصطلاح أهل الأصول: هي الفائدة التي صار بسببها الوصف علة للحكم، فتحريم الخمر مثلا حكم والإسكار هو علة هذا الحكم، والمحافظة على العقل من الاختلال: هي الحكمة التي من أجلها صار الإسكار علة لتحريم الخمر، وقد عرف صاحب المراقي الحكمة بقوله: واعلم: أن الحكمة في اصطلاح أهل الأصول: هي الفائدة التي صار بسببها الوصف علة للحكم، فتحريم الخمر مثلا حكم والإسكار هو علة هذا الحكم، والمحافظة على العقل من الاختلال: هي الحكمة التي من أجلها صار الإسكار علة لتحريم الخمر، وقد عرف صاحب المراقي الحكمة بقوله:
* وهي التي من أجلها الوصف جرى * علة حكم عند كل من درى * وعلة الرخصة بقصر الصلاة والإفطار في رمضان: هي السفر، والحكمة التي صار السفر علة بسببها: هي تخفيف المشقة على المسافر مثلا، وهكذا.
واعلم: أن علماء الشافعية قالوا: إنه يشترط في الطيب الذي يحكم بتحريمه: أن يكون معظم الغرض منه التطيب، واتخاذ الطيب منه، أو يظهر فيه هذا الغرض. هذا ضابطه عندهم.
ثم فصلوه فقالوا: الأصل في الطيب: المسك، والعنبر، والكافور، والعود، والصندل، والذريرة، وهذا كله لا خلاف فيه عندهم قالوا: والكافور صنع شجر معروف.
وأما النبات الذي له رائحة فأنواع:
منها: ما يطلب للتطيب، واتخاذ الطيب منه كالورد والياسمين، والخيرى، والزعفران، والورس ونحوها، فكل هذا طيب. وعن الرافعي وجه شاذ في الورد والياسمين والخيرى: أنها ليست طيبا والمذهب الأول.
ومنها: ما يطلب للأكل والتداوي غالبا، كالقرنفل والدارصيني، والفلفل، والمصطكي، والسنبل وسائر الفواكه كل هذا وشبهه ليس بطيب، فيجوز أكله وشمه وصبغ الثوب به، ولا فدية فيه سواء قليله وكثيره، ولا خلاف عند الشافعية في شيء من هذا إلا القرنفل، ففيه وجهان عندهم. والصحيح المشهور أنه ليس بطيب عندهم.
ومنها: ما ينبت بنفسه، ولا يراد للطيب كنور أشجار الفواكه كالتفاح، والمشمش، والكمثري، والسفرجل، وكالشيح، والقيصوم، وشقائق النعمان والإذخر، والخزامي، وسائر أزهار البراري، فكل هذا ليس بطيب فيجوز أكله وشمه، وصبغ الثوب به، ولا فدية فيه، بلا خلاف.
ومنها: ما يتطيب به، ولا يتخذ منه الطيب: كالنرجس، والآس، وسائر الرياحين وفي هذا النوع عند الشافعية طريقان.
أحدهما: أنه طيب قولا واحدا.
والطريق الثاني: وهو الصحيح المشهور عندهم: أن فيه قولين مشهورين الصحيح منهما، وهو قوله الجديد: أنه طيب موجب للفدية. القول الثاني وهو القديم: أنه ليس بطيب، ولا فدية فيه ا ه والحناء والعصفر ليسا بطيب عند الشافعية بلا خلاف على التحقيق، خلافا لمن زعم خلافا عندهم في الحناء.
واعلم: أن الأدهان عند الشافعية ضربان أحدهما دهن ليس بطيب، ولا فيه طيب، كالزيت، والشيرج، والسمن، والزبد، ودهن الجوز، واللوز ونحوها. فهذا لا يحرم استعماله في جميع البدن، ولا فدية فيه، إلا في الرأس، واللحية، فيحرم عندهم استعماله فيهما بلا خلاف، وفيه: الفدية. لأنه إزالة للشعث، إن كان في الرأس واللحية، فإن كان أصلع لا ينبت الشعر في رأسه فدهن رأسه أو أمرد فدهن ذقنه: فلا فدية عندهم في ذلك، بلا خلاف، وإن كان محلوق الرأس فدهنه بما ذكر، ففيه عندهم وجهان: أصحهما: وجوب الفدية بناء على أن الشعر إن نبت جمله ذلك الدهن، الذي جعل عليه، وهو محلوق والوجه الثاني: لا فدية، لأنه لا يزول به شعث. واختاره المزني وغيره ولو كان برأسه شجة فجعل هذا الدهن في داخلها من غير أن يمس شعر رأسه: فلا فدية، بلا خلاف، ولو طلى شعر رأسه ولحيته بلين جاز: ولا فدية، وإن كان اللبن يستخرج منه السمن، لأنه ليس بدهن ولا يحصل به ترجيل الشعر، والشحم، والشمع عندهم، إذا أذبيا كالدهن يحرم على المحرم ترجيل شعره بهما.
الضرب الثاني: دهن هو طيب ومنه: دهن الورد، والمذهب عندهم: وجوب الفدية فيه، وقيل فيه وجهان. ومنه: دهن البنفسج، فعلى القول بأن نفس البنفسج: لا فدية فيه، فدهنه أولى، وعلى أن فيه الفدية، فدهنه كدهن الورد، والأدهان كثيرة، وخلاف العلماء فيها من الخلاف في تحقيق المناط كدهن البان والزنبق، وهو دهن الياسمين والكاذي وهو دهن، ونبت طيب الرائحة والخيري، وهو معرب، وهو نبت طيب الرائحة ويقال للنحاسي: خيري البر، ومذهب الشافعي: أن الأدهان المذكورة، ونحوها طيب، تجب باستعماله الفدية.
واعلم: أن محل وجوب الفدية عند الشافعية في الطيب: إذا كان استعمله عامدا، فإن كان ناسيا أو ألقته الريح عليه، لزمته المبادرة بإزالته بما يقطع ريحه، وكون الأولى أن يستعين في غسله بحلال وتقديمه غسله على الوضوء، إن لم يكف الماء، إلا أحدهما عند الشافعية موافق لما قدمنا عن الحنابلة، بخلاف غسل النجاسة، فهو