ا ما ورد الشرع بتحريمه، وما كان في معناه، وليس هذا كذلك، وأما المصبوغ بالرياحين: فهو مبني على الرياحين في نفسها، فما منع المحرم من استعماله منع من لبس المصبوغ به إذا ظهرت رائحته، وإلا فلا، وهذا الذي ذكرنا هو حاصل مذهب الإمام أحمد في الطيب للمحرم، ولا فرق عنده بين قليل الطيب وكثيره، ولا بين قليل اللبس وكثيره، كما تقدم إلا أنه يفرق بين تعمد استعمال الطيب، واللبس وبين استعماله لذلك ناسيا، فإن فعله متعمدا أثم وعليه الفدية، وإزالة الطيب، واللباس فورا، وإن تطيب، أو لبس ناسيا: فلا فدية عليه، ويخلع اللباس، ويغسل الطيب.
قال ابن قدامة في المغني: المشهور أن المتطيب ناسيا، أو جاهلا لا فدية عليه، وهو مذهب عطاء، والثوري، وإسحاق، وابن المنذر. انتهى محل الغرض منه، ثم ذكر أن الذي يستوي عمده ونسيانه في لزوم الكفارة ثلاثة أشياء: وهي الجماع، وقتل الصيد، وحلق الرأس، وأن كل ما سوى هذه الثلاثة يفرق فيه بين العمد والنسيان. وذكر أن الإمام أحمد نقل عن سفيان أن الثلاثة المذكورة يستوي عمدها ونسيانها في لزوم الكفارة.
وقال في المغني: ويلزمه غسل الطيب، وخلع اللباس، لأنه فعل محظورا، فيلزمه إزالته، وقطع استدامته كسائر المحظورات، والمستحب أن يستعين في غسل الطيب بحلال لئلا يباشر المحرم الطيب بنفسه. ويجوز أن يليه بنفسه، ولا شيء عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي رأى عليه طيبا أو خلوقا (اغسل عنك الطيب) ولأنه تارك له، فإن لم يجد ما يغسله به، مسحه بخرقة، أو حكه بتراب، أو ورق أو حشيش، لأن الذي عليه إزالته بحسب القدرة. وهذا نهاية قدرته ثم قال: وإذا احتاج إلى الوضوء، وغسل الطيب، ومعه ماء لا يكفي إلا أحدهما: قدم غسل الطيب ويتيمم للحدث، لأنه لا رخصة في إبقاء الطيب، وفي ترك الوضوء إلى التيمم رخصة، فإن قدر على قطع رائحة الطيب بغير الماء فعل، وتوضأ فإن المقصود من إزالة الطيب قطع رائحته، فلا يتعين الماء والوضوء، بخلافه ا ه منه. وهذا خلاصة المذهب الحنبلي في مسألة الطيب للمحرم. ومذهب الشافعي في هذه المسألة: أنه يحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب، ولا فرق عنده بين القليل والكثير، واستعمال الطيب عنده: هو أن يلصق الطيب ببدنه، أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطيب. فلو طيب جزءا من بدنه بغالية، أو مسك مسحوق، أو ماء ورد: لزمته الفدية، سواء كان الإلصاق بظاهر البدن أو باطنه، فإن أكله أو احتقن به، أو استعط، أو اكتحل أو لطخ به رأسه، أو وجهه أو غير ذلك من بدنه أثم،