أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٦١
عندهم، فهو كريح الفواكه الطيبة كالتفاح والليمون، والأترج وسائر الفواكه وبعض أهل العلم يكره شمه للمحرم، وإن خضب رأسه أو لحيته بحناء، أو خضبت المرأة رأسها أو رجليها، أو طرفت أصابعها بحناء فالفدية عندهم واجبة في ذلك. وأما مؤنث الطيب: كالمسك، والورس، والزعفران، فإن التطيب به عندهم حرام، وفيه الفدية.
ومعنى التطيب بالطيب عندهم: إلصاقه بالثوب، أو باليد وغيرها من الأعضاء، ونحو ذلك، فإن علق به ريح الطيب دون عينه بجلوسه في حانوت عطار، أو في بيت تجمر ساكنوه، فلا فدية عليه عندهم مع كراهة تماديه في حانوت العطار أو البيت الذي تجمر ساكنوه، هذا هو مشهور مذهب مالك. وإن مس الطيب المؤنث افتدى عندهم، وحد ريحه أولا، لصق به أولا، ويكره شم الطيب عندهم مطلقا.
وأظهر أقوال علماء المالكية في الثوب المصبوغ بالورس، والزعفران: إذا تقادم عهده، وطال زمنه حتى ذهبت ريحه بالكلية: أنه مكروه للمحرم، ما دام لون الصبغ باقيا ولكنه لا فدية فيه لانقطاع ريحه بالكلية.
وأقيس الأقوال: أنه يجوز مطلقا، لأن الرائحة الطيبة التي منع من أجلها زالت بالكلية، والعلم عند الله تعالى. وإن اكتحل عندهم بما فيه طيب، فالفدية، ولو لضرورة مع الجواز للضرورة وبما لا طيب فيه فهو جائز للضرورة ولغيرها، فثلاثة أقوال مشهورها: وجوب الفدية على الرجل، والمرأة معا، وقيل: لا تجب عليهما، وقيل: تجب على المرأة دون الرجل.
وحاصل مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة: أن النبات الذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه، كنبات الصحراء من الشيخ، والقيصوم، والخزامي والفواكه كلها من الأترج، والتفاح وغيره، وما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب، كالحناء والعصفر، وهذا النوع مباح شمه في مذهب الإمام أحمد، ولا فدية فيه.
قال في المغني: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روي عن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم: أن يشم شيئا من نبات الأرض من الشيخ والقيصوم وغيرهما قال: ولا نعلم أحدا أوجب في ذلك شيئا فإنه لا يقصد للطيب، ولا يتخذ منه فأشبه سائر نبات الأرض. وقد روي أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يحرمن في المعصفرات.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 62 62 62 63 ... » »»