أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ١٤٧
سبيل الوجوب، فلم يتحقق الاتباع بذلك قالوا: وكذلك يقال في قوله تعالى * (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة) * فلا تتحقق الأسوة، إذا كان هو صلى الله عليه وسلم فعله، على سبيل الندب، وفعلته أمته على سبيل الوجوب، بل لا بد في الأسوة من علم جهة الفعل، الذي فيه التأسي قالوا: وخلعهم نعالهم لا دليل فيه، لأنه فعل داخل في نفس الصلاة: وإنما أخذوه من قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) لأن خلع النعال كأنه في ذلك الوقت من هيئة أفعال الصلاة، قالوا: وإنما أخذوا وجوب الغسل من الفعل، الذي أخبرتهم به عائشة، لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل من التقاء الختانين، أو لأنه فعل مبين لقوله * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * والفعل المبين لإحمال النص، لا خلاف فيه كما تقدم إيضاحه. قالوا: والاحتياط في مثل هذا: لا يلزم، لأن الاحتياط لا يلزم إلا فيما يثبت وجوبه أو كان وجوبه، هو الأصل كليلة الثلاثين من رمضان، إن حصل غيم يمنع رؤية الهلال عادة أما غير ذلك، فلا يلزم فيه الاحتياط، كما لو حصل الغيم المانع من رؤية هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان: فلا يجوز صوم يوم الشك، ولا يحتاط فيه، لأنه لم يثبت له وجوب ولم يكن وجوبه هو الأصل إلى آخر أدلتهم ومناقشاتها. فلم نطل بجميعها الكلام، ولا شك: أن الأدلة التي ذكرها الفريق الأول كقوله * (فاتبعونى) * وقوله * (ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه) * وقوله * (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة) * وإن لم تكن مقنعة بنفسها في الموضوع، فلا تقل عن أن تكون عاضدة لما قدمنا من وجوب الفعل الواقع به البيان، وما سنذكره من غير ذلك وهو الوجه الثاني من وجهي الجواب اللذين ذكرنا: وهو أن ذلك الفعل الذي هو ذبح هدي التمتع، والقران يوم النحر، هو الذي مشى عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ودلت عليه الأحاديث ولن يصلح آخر هذه الأمة، إلا ما أصلح أولها، ومن أوضح الأدلة الثابتة في ذلك الأحاديث المتفق عليها التي لا مطعن فيها بوجه أنه صلى الله عليه وسلم، أمر أصحابه بفسخ حجهم في عمرة، وأن يحلوا منها الحل كله، ثم يحرموا بالحج، وتأسف على أنه لم يفعل مثل فعلهم وقال (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) وفي تلك النصوص الصحيحة: التصريح بأمرهم بفسخ الحج في العمرة ومعناه: أنه هو صلى الله عليه وسلم، يجوز له أن يفسخ الحج في العمرة، كما أمر أصحابه بذلك. وقد صرح في الأحاديث الصحيحة، بأن الذي منعه من ذلك. أنه ساق الهدي، فلو كان هدي التمتع يجوز ذبحه بعد
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»