أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٣٠
يرجحه الدليل عندنا من ذلك: فممن قال إن وجوبه على التراخي: الشافعي وأصحابه. قال النووي: وبه قال الأوزاعي، والثوري، ومحمد بن الحسن، ونقله الماوردي عن ابن عباس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاوس، وممن قال إنه على الفور: الإمام أحمد، وأبو يوسف، وجمهور أصحاب أبي حنيفة والمزني. قال النووي: ولا نص في ذلك لأبي حنيفة وقال صاحب تبيين الحقائق في الفقه الحنفي: إن القول بأنه على الفور قول أبي يوسف، وعن أبي حنيفة ما يدل عليه فإن ابن شجاع روى عنه أن الرجل إذا وجد ما يحج به وقد قصد التزوج، قال: يحج، ولا يتزوج، لأن الحج فريضة أوجبها الله على عبده، وهذا يدل على أنه على الفور انتهى.
وأما مذهب مالك فعنه في المسألة قولان مشهوران، كلاهما شهره بعض علماء المالكية.
أحدهما: أنه على الفور، والثاني: أنه على التراخي، ومحل الخلاف المذكور ما لم يحسن الفوات بسبب من أسباب الفوات، فإن خشية وجب عندهم فورا اتفاقا.
قال خليل بن إسحاق في مختصره في الفقه المالكي: وفي فوريته وتراخيه لخوف الفوات خلاف. اه.
وقد ذكر في ترجمته أنه إن قال في مختصره: خلاف، فهو يعني بذلك اختلافهم في تشهير القول.
وقال الشيخ المواق في كلامه على قول خليل المذكور ما نصه الجلاب: من لزمه فرض الحج لم يجز له تأخيره، إلا من عذر وفرضه على الفور دون التراخي، والتسويف، وعن ابن عرفة هذا للعراقيين، وعزا لابن محرز والمغاربة وابن العربي، وابن رشد: أنه على التراخي ما لم يخف فواته. وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فهذه حججهم.
أما الذين قالوا: إنه على التراخي فاحتجوا بأدلة.
منها: أنهم قالوا: إن الحج فرض عام ست من الهجرة، ولا خلاف أن آية * (وأتموا الحج والعمرة لله) * نزلت عام ست من الهجرة في شأن ما وقع في الحديبية من إحصار المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهم محرومون بعمرة، وذلك في ذي القعدة من عام ست بلا خلاف، ويدل عليه ما تقدم في حديث كعب بن عجرة الذي نزل فيه * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) *
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»