أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٢٤
يومئذ الشعير فهذا حديث صحيح صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأن الطعام إذا بيع بالطعام بيع مثلا بمثل. والطعام في اللغة العربية: اسم لكل ما يؤكل. قال تعالى: * (كل الطعام كان حلا لبنى إسراءيل) *، وقال: * (فلينظر الإنسان إلى طعامه * (ط * (أنا صببنا ثم شققنا الا رض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا) *، وقال تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * ولا خلاف في ذبائحهم في ذلك. وفي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم: (إنها طعام طعم) وقال لبيد في معلقته: قال في زمزم: (إنها طعام طعم) وقال لبيد في معلقته:
* لمعقر فهد تنازع شلوه * غبس كواسب ما يمن طعامها * يعني بطعامها فريستها. كما قدمنا هذا مستوفى في سورة (البقرة).
فالشافعي رحمه الله وإن سخر الظاهرية منه في تحريمه الربا في التفاح فهو متمسك في ذلك بظاهر حديث صحيح، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الطعام بالطعام مثلا بمثل). فما المانع الظاهرية من القول بظاهر هذا الحديث الصحيح على عادتهم التي يزعمون فيحكمون على الطعام بأنه مثل بمثل؟ وما مستندهم في مخالفة ظاهر هذا الحديث الصحيح؟ وحكمهم بالربا في البر والشعير والتمر والملح دون غيرها من سائر المطعومات، مع أن لفظ الطعام في الحديث المذكور عام للأربعة المذكورة وغيرها كما ترى، فهل الشافعي في تحريم الربا في التفاح أقرب إلى ظاهر النص أو الظاهرية؟ وكذلك سخريتهم من الإمام أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله في قولهما بدخول الربا في كل مكيل وموزون، مستهزئين بمن يقول بالربا في الأشنان قياسا على التمر. إذا تأملت فيه وجدت الإمامين رحمهما الله أقرب في ذلك إلى ظاهر النص من الظاهرية.
قال الحاكم في (المستدرك): حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه، ثنا الحسن بن مكرم، ثنا روح بن عبادة، ثنا حيان بن عبيد الله العدوي قال: سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا يعني يدا بيد، فكان يقول: إنما الربا في النسيئة. فلقيه أبو سعيد الخدري فقال: يا ابن عباس، ألا تتقي الله إلى متى تؤكل الناس الربا؟ أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو عند زوجته أم سلمة: (إني لأشتهي تمر عجوة) فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فجاء بدل صاعين صاع من تمر عجوة. فقامت فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه أعجبه، فتناول تمرة ثم أمسك فقال: (من أين لكم هذا)؟
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»