أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٦
يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك). أخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ، رواه النسائي أيضا. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا) أخرجه الشيخان والإمام أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجة وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث (ولا تتخذوها قبورا) دليل على أن القبور ليست محل صلاة وقال بعض العلماء: يحتمل أن يكون معنى الحديث صلوا ولا تكونوا كالأموات في قبورهم فإنهم لا يصلون. وأخرج الإمام أحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد) ورواه ابن أبي حاتم أيضا.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة لا مطعن فيها، وهي تدل دلالة واضحة على تحريم الصلاة في المقبرة. لأن كل موضع صلي فيه يطلق عليه اسم المسجد، لأن المسجد في اللغة مكان السجود، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (وجعلت لي الأرض مسجدا) الحديث أي كل مكان منها تجوز الصلاة فيه. وظاهر النصوص المذكورة العموم سواء نبشت المقبرة واختلط ترابها بصديد الأموات أو لم تنبش. لأن علة النهي ليست بنجاسة المقابر كما يقوله الشافعية، بدليل اللعن الوارد من النبي صلى الله عليه وسلم على من اتخذ قبور الأنبياء مساجد. ومعلوم أن قبور الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ليست نجسة فالعلة للنهي سد الذريعة لأنهم إذا عبدوا الله عند القبور آل بهم الأمر إلى عبادة القبور. فالظاهر من النصوص المذكورة منع الصلاة عند المقابر مطلقا وهو مذهب الإمام أحمد وفي صحتها عنده روايتان وإن تحققت طهارتها. وذهب مالك إلى أن الصلاة فيها مكروهة. وذهب الشافعية إلى أنها إذا كانت نجسة لاختلاط أرضها بصديد الأموات لأجل النبش فالصلاة فيها باطلة، وإن كانت لم تنبش فالصلاة فيها مكروهة عندهم. وذكر النووي عن ابن المنذر أنه قال: روينا عن علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي أنهم كرهوا الصلاة في المقبرة. قال: ولم يكرهها أبو هريرة وواثلة بن الأسقع والحسن البصري ونقل صاحب الحاوي عن داود أنه قال: تصح الصلاة وإن تحقق نبشها. وذكر ابن حزم النهي عن الصلاة في المقبرة عن خمسة من الصحابة: وهم عمر وعلي وأبو هريرة وأنس
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»