تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٤٤
جهلا وفسوقا وجوز أن تفسر التزكية بالتطهير من دنس الهيولى والتدسية بالإخفاء فيه والتلوث به وأيا ما كان ففي الوعد والوعيد المذكورين مع إقسامه تعالى عليهما بما أقسم به مما يدل على العلم بوجوده تعالى ووجوب ذاته سبحانه وكمال صفاته عز وجل ويذكر عظائم آلائه وجلائله نعمائه جل وعلا من اللطف بعباده ما لا يخفى وقوله تعالى:
* (كذبت ثمود بطغواهآ) * * (كذبت ثمود بطغواها) * استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى: * (وقد خاب من دساها) * وجعل الزمخشري قوله تعالى: * (قد أفلح) * الخ تابعا لقوله تعالى: * (فألهمها) * الخ على سبيل الاستطراد وأبى أن يكون جواب القسم وجعل الجواب محذوفا مدلولا عليه بهذا كأنه قيل ليدمدمن الله تعالى على كفار مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا عليه السلام فقيل إن ذلك لما يلزم من حذف اللام وأنه لا يليق بالنظم المعجز أن يجعل أدنى الكمالين أعني التزكية لاختصاصها بالقوة العملية المقصود بالإقسام ويعرض عن أعلاهما أعني التحلية بالعقائد اليقينية التي هي لب الألباب وزبدة ما مخضته الأحقاب ولو سلم عدم الاختصاص فهي مقدمة التحلية في البابين وأما حذف المقسم عليه فكثير شائع لا سيما في الكتاب العزيز وتعقب بأن حذف اللام كثير لا سيما مع الطول وهو أسهل من حذف الجملة بتمامها وقد ذكره في قد أفلح المؤمنون فما حدا مما بدأ وأن التزكية مرادا بها الإنماء لا اختصاص لها وليست مقدمة بل مقصودة بالذات ولو سلم فلا مانع من الاعتناء ببعض المقدمات أحيانا لتوقف المقاصد عليها فتدبر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال في فألهما ألزمها وأخرجه الديلمي عن أنس مرفوعا وعلى ذلك قال الواحدي وصاحب المطلع الإلهام أن يوقع في القلب التوفيق والخذلان فإذا أوقع سبحانه في قلب عبد شيئا منهما فقد ألزمه سبحانه ذلك الشيء ويزيد ذلك قوة ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين أن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال عليه الصلاة والسلام لا بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: * (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) * ولا يقتضي ذلك أن لا يكون لقدرة العبد واختياره مدخل في الفجور والتقوى بالكلية وإن قيل أن مآله إلى خلق الله تعالى إياهما ليقال يأباه حينئذ قوله تعالى: * (قد أفلح من زكاها) * الخ حيث جعل فيه العبد فاعل التزكية بالتقوى والتدسية بالفجور لأن الإسناد يقتضي قيام المسند ويكفي فيه المدخلية المذكورة ولا يتوقف صحة الإسناد حقيقة إلى العبد على كون فعله الإيجاد فالاستدلال بهذا الإسناد على كونه متمكنا من اختيار ما شاء من الفجور والتقوى وإيجاده إياه بقدرة مستقلة فيه على خلاف ما يقوله الجماعة ليس بشيء على أن الضمير المستتر في زكاها وكذا في دساها الله عز وجل والبارز لمن بتأويل النفس فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في ذلك يقول الله تعالى: قد أفلح من زكى الله تعالى نفسه فهداه وقد خاب من دسى الله تعالى نفسه فأضله بل أخرج عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: * (قد أفلح من زكاها) * الآية أفلحت نفس زكاها الله تعالى وخابت نفس خيبها الله تعالى من كل خير وأخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة ومسلم والنسائي عن زيد بن أرقم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها وفي رواية الطبراني وغيره عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام إذا تلا هذه الآية وقف وقال ذلك ولهذه الأخبار ونحوها قال بعضهم: إن ذلك هو
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»