تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٣٦
للتعجيب على معنى أيظن * (أن لن يقدر عليه) * أي على الانتقام منه ومكافأته بما هو عليه * (أحد) * مع أنه لا يتخلص من المكابدة ومقاساة الشدائد وإن مخففة من الثقيلة ولعل في ذلك إدماج عدم الايمان بالقيامة.
* (يقول أهلكت مالا لبدا) * * (يقول أهلكت مالا لبدا) * أي كثيرا من تلبد الشيء إذا اجتمع أي يقول ذلك وقت الاغترار فخرا ومباهاة وتعظما على المؤمنين وأراد بذلك ما أنفقه رياء وسمعة وعبر عن الانفاق بالإهلاك إظهارا لعدم الاكتراث وأنه لم يفعل ذلك رجاء نفه فكأنه جعل المال الكثيرة ضائعا وقيل يقول ذلك إظهارا لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم مريدا بالمال ما أنفقه في معاداته عليه الصلاة والسلام وقيل يقول ذلك إيذاء له عليه الصلاة والسلام فعن مقاتل أن الحرث بن نوفل كان إذا أذنب استفتى الرسول صلى الله عليه وسلم فيأمره عليه الصلاة والسلام بالكفارة فقال لقد أهلكت مالا لبدا في الكفارات والتبعات منذ أطعت محمدا صلى الله عليه وسلم وقيل المراد ما تقدم أولا إلا أن هذا القول وقت الانتقام منه وذلك يوم القيامة والتعبير عن الانفاق بالإهلاك لما أنه لم ينفعه يومئذ وقرأ أبو جعفر لبدا بشد الباء وعنه وعن زيد بن علي لبدا بسكون الباء وقرأ مجاهد وابن أبي الزنا لبدا بضم اللام والباء.
* (أيحسب أن لم يره أحد) * * (أيحسب أن لم يره أحد) * أي حين كان ينفق ما ينفق رئاء الناس أو حرصا على معاداته صلى الله عليه وسلم يعني أن الله تعالى كان يراه وكان سبحانه عليه رقيبا فهو عز وجل يسأله عنه ويجازيه عليه وفي الحديث لا تزل قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن ماله مم جمعه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به وجوز أن يكون المعنى أن لم يجده أحد على المراد بالرؤية الوجدان اللازم له ولم بمعنى لن وعبر بها لتحقق الوقوع يعني أنه تعالى يجده يوم القيامة فيحاسبه على ذلك وعن الكلبي أن هذا القائل كان كاذبا لم ينفق شيئا فقال تعالى: أيظن أن الله تعالى ما رأى ذلك منه فعل أو لم يفعل أنفق أو لم ينفق بل رآه عز وجل وعلم منه خلاف ما قال وقرر سبحانه القدرة على مجازاته ومحاسبته والإطلاع على حاله بقوله جل وعلا:
* (ألم نجعل له عينين) * * (ألم نجعل له عينين) * يبصر بهما.
* (ولسانا وشفتين) * * (ولسانا) * يفصح به عما في ضميره * (وشفتين) * يستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغير ذلك والمفرد شفة وأصلها شفهة حذفت منها الهاء ويدل عليه شفيهة وشفاه وشافهت وهي مما لا يجوز جمعه بالألف والتاء وإن كان فيه تاء التأنيث على ما في " البحر ".
* (وهدين‍اه النجدين) * * (وهديناه النجدين) * أي طريقي الخير والشر كما أخرجه الحاكم وصححه والطبراني وغيرهما عن ابن مسعود وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس وروى عن عكرمة والضحاك وآخرين وأخرجه الطبراني عن أبي إمامة مرفوعا والنجد مشهور في الطريق المرتفع قال امرؤ القيس: فريقان منهم جازع بطن نخلة * وآخر منهم قاطع نجد كبكب وسميت نجد به لارتفاعها عن انخفاض تهامة والامتنان المحدث عنه بأن هداه سبحانه وبين له تعالى شأنه ما إن سلكه نجا وما أن سلكه هلك ولا يتوقف الامتنان على سلوك طريق الخير وقد جعل الإمام هذه الآية كقوله تعالى: * (إنا هديناه السبيل) * إما شاكرا وإما كفورا ووصف سبيل الخير بالرفعة والنجدية ظاهر بخلاف سبيل الشر فإن فيه هبوطا من ذروة الفطرة إلى حضيض الشقاوة فهو على التغليب أو على توهم المتخيلة له صعودا ولذا استعمل الترقي في الوصول إلى كل شيء وتكميله كذا قيل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس أنهما الثديان وروى ذلك عن ابن المسيب أي ثديي الأم لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه والارتفاع فيهما ظاهر والبطن تحتهماكالغور والعرب تقسم بثديي الأم فتقول أما ونجديها ما فعلت ونسب هذا التفسير لعلي كرم الله
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»