تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ٥٦
العرب من يقول هما يتساولان ثم إن في دعوى كون سلت تسال لغة قريش ترددا والظاهر خلاف ذلك وأنشدوا لورود سال قول حسان يهجو هذيلا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيح لهم الزنا. سالت هذيل رسول الله فاحشة * ضلت هذيل بما قالت ولم تصب وقول آخر: سالتاني الطلاق أن رأتاني * قل مالي قد جئتماني بنكر وجوز أن يكون سال من السيلان وأيد بقراءة ابن عباس سال سيل فقد قال ابن جني السيل ههنا الماء السائل وأصله المصدر من قولك سال الماء سيلا إلا أنه أوقع على الفاعل كما في قوله تعالى: * (إن أصبح ماؤكم غورا) * أي غائرا وقد تسومح في التعبير عن ذلك بالوادي فقيل المعنى اندفع واد بعذاب واقع والتعبير بالماضي قيل للدلالة على تحقق وقوع العذاب إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر وقد قتل يومئذ النضر وأبو جهل وأما في الآخرة وهو عذاب النار وعن زيد بن ثابت أن سائلا اسم واد في جهنم وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس ما يحتمله.
* (للك‍افرين ليس له دافع) * * (للكافرين) * صفة أخرى لعذاب أي كائن للكافرين أو صلة لواقع واللام للتعليل أو بمعنى على ويؤيده قراءة أبي على الكافرين وإن صح ما روي عن الحسن وقتادة أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بعذاب سألوا عنه على من ينزل وبمن يقع فنزلت كان هذا ابتداء كلام جوابا للسائل أي هو للكافرين وقوله تعالى: * (ليس له دافع) * صفة أخرى لعذاب أو حال منه لتخصيصه بالصفة أو بالعمل أو من الضمير في للكافرين على تقدير كونه صفة لعذاب على ما قيل أو استئناف أو جملة مؤكدة لهو للكافرين على ما سمعت آنفا فلا تغفل وقوله سبحانه:
* (من الله ذي المعارج) * * (من الله) * متعلق بدافع ومن ابتدائية أي ليس له دافع يرده من جهته عز وجل لتعلق إرادته سبحانه به وقيل متعلق بواقع فقيل إنما يصح على غير قول الحسن وقتادة وعليه يلزم الفصل بالأجنبي لأن للكافرين على ذلك جواب سؤال ثم إن التعلق بواقع على ما عدا قولهما أن جعل للكافرين من صلته أيضا كان أظهر وإلا لزم الفصل بين المعمول وعامله بما ليس من تتمته لكن ليس أجنبيا من كل وجه * (ذي المعارج) * هي لغة الدرجات والمراد بها على ما روي عن ابن عباس السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء ولم يعينها بعضهم فقال أي ذي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة بالأوامر والنواهي وقيل هي مقامات معنوية تكون فيها الأعمال والاذكار أو مراتب في السلوك كذلك يترقى فيها المؤمنون السالكون أو مراتب الملائكة عليهم السلام وأخرج عبد بن حميد عن قتادة تفسيرها بالفضائل والنعم وروى نحوه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس وقيل هي الغرف التي جعلها الله تعالى لأوليائه في الجنة والأنسب بما يقتضيه المقام من التهويل ما هو أدل على عزه عز وجل وعظم ملكوته تعالى شأنه.
* (تعرج المل‍ائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * * (تعرج المل‍ائكة والروح) * أي جبريل عليه السلام كما ذهب إليه الجمهور أفرد بالذكر لتميزه وفضله بناء على المشهور من أنه عليه السلام أفضل الملائكة وقيل لمجرد التشريف وإن لم يكن عليه السلام أفضلهم بناء على ما قيل من أن إسرافيل عليه السلام أفضل منه وقال مجاهد الروح ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا وقيل خلق هم حفظة الملائكة مطلقا كما أن الملائكة حفظة الناس وقيل ملك عظيم الخلقة يقوم وحده يوم القيامة صفا ويقوم الملائكة كلهم صفا وقال أبو صالح خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس وقال قبيصة بن ذؤيب روح الميت حين تقبض ولعله أراد الميت المؤمن وقرأ عبد الله والكسائي وابن مقسم وزائدة عن الأعمش يعرج بالياء التحتية * (إليه) * قيل أي إلى عرشه تعالى وحيث يهبط منه أوامره سبحانه وقيل هو من قبيل قول إبراهيم عليه السلام إني ذاهب إلى ربي أي إلى
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»