تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ٦
الحمل عن الاضمار في آية هود والتضمين في آية الملك للتفنن فلا وجه له بعد تصريحه بأنه استعارة انتهى وكذا على هذا لا وجه لكون ما هناك اختيارا لمذهب الفراء والزجاج وما هنا اختيار لمذهب آخر فتدبر وتذكر فإنه كثيرا ما يسئل عن ذلك قديما وحديثا والله تعالى الموفق * (وهو العزيز) * أي الغالب الذي لا يعجزه عقاب من أساء * (الغفور) * لمن شاء منهم أو لمن تاب على ما اختاره بعضهم لأنه أنسب بالمقام * (الذي) *.
* (الذى خلق سبع سم‍اوات طباقا ما ترى فى خلق الرحم‍ان من تف‍اوت فارجع البصر هل ترى من فطور) * * (خلق سبع سموات) * قيل هو نعت للعزيز الغفور أو بيان أو بدل واختار شيخ الإسلام أنه نصب أو رفع على المدح متعلق بالموصولين السابقين معنى وان كان منقطعا عنهما اعرابا منتظم معهما في سلك الشهادة بتعاليه سبحانه وتعالى ومع الموصول الثاني في كونه مدارا للبلاء كما نطق به قوله تعالى وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا وقوله تعالى: * (طباقا) * صفة لسبع وكون الوصف للمضاف إليه العدد ليس بلازم بل أكثرى وهو مصدر طابقت النعل بالنعل إذا خصفتها وصف به للمبالغة أو على حذف مضاف أي ذات طباق أو بتأويل اسم المفعول أي مطابقة وجوز أن يكون مفعولا مطلقا مؤكدا لمحذوف أي طوبقت طباقا والجملة في موضع الصفة وأن يكون جمع طبق كجمل وجمال أو جمع طبقة كرحبة بفتح الحاء ورحاب والكلام بتقدير مضاف لأنه اسم جامد لا يوصف به أي ذات طباق وقيل يجوز كونه حالا من سبع سموات لقربه من المعرفة بشموله الكل وعدم فرد وراء ذلك وتعقب بأن قصارى ذلك بعد القيل والقال أن يكون نحو شمس مما انحصر في فرد وهو لا تجىء الحال المتأخرة منه فلا يقال طلعت علينا شمس مشرقة وأيا ما كان فالمراد كما أخرج عبد بن حميد بعضها فوق بعض ولا دليل في ذلك على تلاصقها كما زعمه متقدمو الفلاسفة ومن وافقهم من الإسلاميين مخالفين لما نطقت به الأحاديث الصحيحة وان لم يكفر منكر ذلك فيما أرى واختلف في موادها فقيل الأولى من موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة من حديد والرابعة من نحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من زمردة بيضاء وقيل غير ذلك ولا أظنك تجد خبرا يعول عليه فيما قيل ولو طرت إلى السماء وأظنك لو وجدت لأولت مع اعتقاد أن الله عز وجل على كل شيء قدير وقوله تعالى: * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) * صفة أخرى على ما في الكشاف لسبع سموات وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتعظيم والاشعار بعلة الحكم بحيث يمكن أن يترتب قياس من الشكل الأول ينتج نفي رؤية تفاوت فيها وبأنه عز وجل خلقها بقدرته القاهرة رحمة وتفضلا وبأن في إبداعها نعما جليلة وما ذكره ابن هشام في الباب الرابع من المغنى من أن الجملة الموصوف بها لا يربطها إلا الضمير اما مذكورا وإما مقدرا ليس بحجة على جار الله والتوفيق بأن ذلك إذا لم يقصد التعظيم ليس بشيء لأنه لا بد له من نكتة سواء كانت التعظيم أو غيره واستظهر أبو حيان أنه استئناف وان خلق الرحمن عام للسموات وغيرها والخطاب لكل أحد ممن يصلح للخطاب وجوز أن يكون لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولعل الأول أولى ومن لتأكيد النفي أي ما ترى شيئا من تفاوت أي اختلاف وعدم تناسب كما قال قتادة وغيره من الفوت فإن كلا من المتفاوتين يفوت منه بعض ما في الآخر وفسر بعضهم التفاوت بتجاوز الشيء الحد الذي يجب له زيادة أو نقصا وهو المعنى بالاختلاف وعلى ذلك قول بعض الأدباء. تناسبت الأعضاء فيه فلا ترى * بهن اختلافا بل أتين على قدر وقال السدى أي من عيب وإليه يرجع قول من قال أي من تفاوت يورث نقصا وقال عطاء بن يسار
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»