ذكرت باعتبار توقف العمل عليها لم يدقق النظر وأل في الموضعين عوض عن المضاف إليه أي الذي خلق موتكم الطارىء وحياتكم أيها المكلفون * (ليبلوكم) * أي ليعاملكم معاملة من يختبركم * (أيكم أحسن عملا) * أي أصوبه وأخلصه فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت مراتب أعمالكم وأصل البلاء الاختبار ولأنه يقتضي عدم العلم بما اختبره وهو غير صحيح في حقه عز وجل حمل الكلام على ما ذكر ويرجع ذلك إلى الاستعارة التمثيلية واعتبار الاستعارة التبعية فيه دونها دون في البلاغة والمراد بالعمل ما يشمل عمل القلب وعمل الجوارح ولذا قال صلى الله عليه وسلم في الآية أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله تعالى وأسرع في طاعة الله عز وجل أي أيكم أتم فهما لما يصدر عن جناب الله تعالى وأكمل ضبطا لما يؤخذ من خطابه سبحانه وايراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل للمكلفين باعتبار أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الابتلاء هو ظهور كمال احسان المحسنين مع تحقق أصل الإيمان والطاعة في الباقين أيضا لكمال تعاضد الموجبات له وأما الاعراض عن ذلك فبمعزل من الإندراج تحت لوقوع فضلا عن الانتظام في سلك الغاية أو الفرض عند من يراه لأفعال الله عز وجل وإنما هو عمل يصدر عن عامله لسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب وفيه من الترغيب في الترقي إلى معارج العلوم ومدارج الطاعات والزجر عن مباشرة نقائصها ما لا يخفى وجعل ذلك من باب الزيادة المطلقة أو من باب أي الفريقين خير مقاما ليس بذاك وأيكم أحسن مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب على أنها مفعول ثان ليبلوكم وذلك على ما في الكشاف لتضمنه معنى العلم وهل يسمى نحو هذا تعليقا أم لا قيل فيه خلاف ففي البحر لأبي حيان نقلا عن أصحابه أنه يسمى بذلك قال إذا عدى الفعل إلى اثنين ونصب الأول وجاءت بعده جملة استفهامية أو مقرونة بلام الابتداء أو بحرف نفي كانت الجملة معلقا عنها الفعل وكانت في موضع نصب كما لو وقعت في موضع المفعولين وفيها ما يعلق الفعل عن العمل وفي الكشاف هنا لا يسمى تعليقا إنما التعليق أن يوقع بعد الفعل الذي يعلق ما يسد مسد المفعولين جميعا كقولك علمت أيهما زيد وعلمت أزيد منطلق واما إذا ذكر بعده أحد المفعولين نحو علمت القوم أيهم أفضل فلا يكون تعليقا والآية من هذا القبيل واعترضه صاحب التقريب بأن العلم مضمر وهو المعلق كما قال الفراء والزجاج ولا يلزم ذكر المفعول معه بل التقدير ليبلوكم فيعلم أيكم أحسن وأيضا لا تقع الجملة الاستفهامية مفعولا ثانيا لعلمت وإنما تقع موقع المفعولين في علمت أيهم خرج لأن المعنى علمت جواب هذا الاسفهام ولا معنى لتقدير مثله في علمته أيهم خرج وأجيب بأن التضمين يغني عن الإضمار وكون الجملة الاستفهامية لا تقع مفعولا ثانيا ضعيف لأنها إذا وقعت مفعولا أولا في نحو لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على معنى لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد كما قال الخليل فلم يمتنع وقوعها مفعولا ثانيا بتأويل ليعلمكم الذين يقال في حقهم أيهم أحسن وإليه ذهب الطيبي ثم قال وقد انصف صاحب الانتصاف حيث قال التعليق عن أحد المفعولين فيه خلاف والأصح هو الذي اختاره الزمخشري وهذا النحو عشه فيه يدرج ويدري كيف يدخل ويخرج انتهى والذي ذكره في سورة هود أن في الآية تعليقا لما في الاختبار من معنى العلم لأنه طريق إليه ومثله بقوله أنظر أيهم أحسن وجها فجعلوا بين كلاميه تنافيا وفي الكشف أن كلامه هناك صريح بأن التعليق فيه بمعنى تعليق فعل القلب على ما فيه استفهام وهو بهذا المعنى خاص بفعل القلب من غير تخصيص بالسبعة المتعدية إلى مفعولين وفي الاستفهام خاصة دون ما فيه لام الابتداء ونحوها صرح به الشيخ ابن الحاجب نصا فلا ينافي ما ذكر في هذه السورة من أنه ليس بتعليق فإنما نفي التعليق بالمعنى المشهور وأما
(٥)