تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ٤٤
مقام الفاعل.
* (وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة) * * (وحملت الأرض والجبال) * رفعتا من أحيازهما بمجرد القدرة الإلهية من غير واسطة مخلوق أو بتوسط نحو ريح أو ملك قيل أو بتوسط الزلزلة أي بأن يكون لها مدخل في الرفع لا أنها رافعة لهما حاملة إياهما ليقال إنها ليس فيها حمل وإنما هي اضطراب وقيل يجوز أن يخلق الله تعالى من الأجرام العلوية ما فيه قوة جذب الجبال ورفعها عن أماكنها أو أن يكون في الأجرام الموجودة اليوم ما فيه قوة ذلك إلا أن في البين مانعا من الجذب والرفع وأنه يزول بعد فيحصل الرفع وكذا يجوز أن يعتبر مثل ذلك بالنسبة إلى الأرض وأن تكون قوتا الجاذبين مختلفتين فإذا حصل رفع كل إلى غاية يريدها الله تعالى حدث في ذلك الجاذب ما لم يبق معه ذلك الجذب من زوال مسامته ونحوه وحصل بين الجبال والأرض ما يوجب التصادم ويجوز أيضا أن يحدث في الأرض من القوى ما يوجب قذفها للجبال ويحدث للأرض نفسها ما يوجب رفعها عن حيزها وكون القوى منها ما هو متنافر ومنها ما هو متحاب مما لا يكاد ينكر وقيل يمكن أن يكون رفعهما بمصادمة بعض الأجرام كذوات الأذناب على ما قيل فيها جديدا للأرض فتنفصل الجبال وترتفع من شدة المصادمة ورفع الأرض من حيزها ولا يخفى أن كل هذا على ما فيه لا يحتاج إليه ويكفينا القول بأن الرفع بالقدرة الإلهية التي لا يتعاصاها شيء وقرأ ابن أبي عبلة وابن مقسم والأعمش وابن عامر في رواية يحيى وحملت بتشديد الميم وحمل على التكثير وجوز أن يكون تضعيفا للنقل فيكون الأرض والجبال المفعول الأول أقيم مقام الفاعل والمفعول الثاني محذوف أي قدرة أو ريحا أو ملائكة أو يكون المفعول الثاني أقيم مقام الفاعل والأول محذوف وهو أحد المذكورات * (فدكتا دكة واحدة) * فضربت الجملتان إثر رفعهما بعضها ببعض ضربة واحدة حتى تفتت وترجع كما قال سبحانه كثيبا مهيلا وقيل تتفرق أجزاؤها كما قال سبحانه هباء منبثا وفرقوا بين الدك والدق بان في الأول تفرق الأجزاء وفي الثاني اختلافها وقال بعض الأجلة أصل الدك الضرب على ما ارتفع لينخفض ويلزمه التسوية غالبا فلذا شاع فيها حتى صار حقيقة ومنه أرض دكاء للمتسعة المستوية وبعيرا دك وناقة دكاء إذا ضعفا فلم يرتفع سناماهما واستوت خدجتهما مع ظهريهما فالمراد ههنا فبسطتا بسطة واحدة وسويتا فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ولعل التفتت مقدمة للتسوية أيضا وقال الراغب الدك الأرض اللينة السهلة وقوله تعالى فدكتا أي جعلتا بمنزلة الأرض اللينة وهذا أيضا يرجع إلى التسوية كما لا يخفى وحكى في " مجمع البيان " أنهما إذا دكتا تتفتت الجبال وتنسفها الريح وتبقى الأرض مستوية وثنى الضمير لإرادة الجملتين كما أشرنا إليه.
* (فيومئذ وقعت الواقعة) * * (فيومئذ) * أي فحينئذ على أن المراد باليوم مطلق الوقت وهو ههنا متسع يقع فيه ما يقع والتنوين عوض عن المضاف إليه أي فيوم إذ نفخ في الصور وكان كيت وكيت * (وقعت الواقعة) * أي قامت القيامة وتفسير الواقعة بصخرة بيت المقدس واقع عن درجة القبول.
* (وانشقت السمآء فهى يومئذ واهية) * * (وانشقت السماء) * تفطرت وتميز بعضها عن بعض ولعله إشارة إلى ما تضمنه قوله تعالى يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال ذلك قوله تعالى: وفتحت السماء فكانت أبوابا ولا منافاة بينهما وكذا لا منافاة بين كون الانشقاق لنزول الملائكة وكونه لهول يوم القيامة لأن الأمر قد يكون له علل شتى مثل هذه العلل والمراد بالسماء جنسها وقيل السموات السبع وأيما كان فلا يشترط لصحة الانشقاق كونها أجساما صلبة إذ يتصف بنحو ذلك ما ليس بصلب أيضا فقد وصف البحر بالانفلاق * (فهي) * أي السماء * (يومئذ واهية) * ضعيفة من وهي الشيء ضعف وتداعى للسقوط وقال ابن شجرة من قولهم
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»