تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ٤٠
ابن عباس من كونها من أسماء يوم القيامة اسم جامد لا يعتبر موصوف محذوف وقيل هي مصدر كالعاقبة والعافية وأيا ما كان فهي مبتدأ خبرها جملة.
* (ما الحآقة) * * (ما الحاقة) * على أن مبتدأ والحاقة خبر أو بالعكس ورجح معنى والأول هو المشهور والرابط إعادة المبتدأ بلفظه والأصل ما هي أي أي شيء هي في حالها وصفتها فإن ما قد يطلب بها الصفة والحال فوضع الظاهر موضع المضمر تعظيما لشأنها وتهويلا لأمرها وقوله تعالى:
* (ومآ أدراك ما الحاقة) * * (وما أدريك ما الحاقة) * أي أي شيء أعلمك ما هي تأكيد لهولها وفظاعتها ببيان خروجها عن دائرة علوم المخلوقات على معنى أن أعظم شأنها ومدى هولها وشدتها بحيث لا يكاد تبلغه دراية أحد ولا وهمه وكيفما قدرت حالها فهي وراء ذلك وأعظم وأعظم فلا يتسنى الإعلام ومنه يعلم أن الاستفهام كني به عن لازمه من أنها لا تعلم ولا يصل إليها دراية دار ولا تبلغها الأوهام والأفكار وما في موضع الرفع على الابتداء وإدراك خبره ولا مساغ ههنا للعكس وما الحاقة جملة محلها النصب على إسقاط الخافض لا أن أدرى يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء كما في قوله تعالى: * (ولا أدراكم به) * فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني وتعليق هذا الفعل على ما قيل لما فيه من معنى العلم والجملة أعني * (ما أدراك) * الخ معطوفة على ما قبلها من الجملة الصغرى.
* (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) * * (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) * بالقيامة التي تقرع الناس بالإفزاع والأهوال والسماء بالانشقاق والانفطار والأرض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار ووضعها موضع ضمير الحاقة للدلالة على معنى القرع وهو ضرب شيء بشيء فيها تشديدا لهولها والجملة استئناف مسوق لبيان بعض أحوال الحاقة له عليه الصلاة والسلام أثر تقريراته. ما أدراه صلى الله عليه وسلم بها أحد والمبين كونها بحيث يحق إهلاك من يكذب بها كأنه قيل وما أدراك ما الحاقة كذبت بها ثمود وعاد فاهلكوا.
* (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) * * (فأما ثمود فأهلكوا) * أي أهلكهم الله تعالى وقرأ زيد بن علي فهلكوا بالبناء للفاعل * (بالطاغية) * أي الواقعة المجاوزة للحد وهي الصيحة لقوله تعالى في هود وأخذ الذين ظلموا الصيحة وبها فسرت الصاعقة في حم السجدة أو الرجفة لقوله سبحانه في الأعراف: * (فأخذتهم الرجفة) * وفي الزلزلة المسببة عن الصيحة فلا تعارض بين الآيات لأن الإسناد في بعض إلى السبب القريب وفي بعض آخر إلى البعيد والأول مروى عن قتادة قال أي بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة وقال ابن عباس وأبو عبيدة وابن زيد ما معناه الطاغية مصدر فكأنه قيل بطغيانهم وأيد بقوله تعالى كذبت ثمود بطغواها والمعول عليه الأول لمكان قوله تعالى:
* (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) * * (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) * وإيضاح ذلك أن الآية فيها جمع وتفريق فلو قيل أهلك هؤلاء بالطغيان على أن ذلك سبب جالب وهؤلاء بالريح على أنه سبب آلي لم يكن طباق إذا جاز أن يكون هؤلاء أيضا هلكوا بسبب الطغيان وهذا معنى قول الزمخشري في تضعيف الثاني لعدم الطباق بينها وبين بريح لا أن ذلك لأن أحدهما عين والآخر حدث وما ذكر من التأييد لا يخفى حاله وكذا يرجح الأول على قول مجاهد وابن زيد أيضا أي بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها وهي عقر الناقة وعلى ما قيل الطاغية عاقر الناقة والهاء فيها للمبالغة كما في رجل راوية وأهلكوا كلهم بسببه لرضاهم بفعله وما قيل أيضا بسبب الفئة الطاغية ووجه الرجحان يعلم مما ذكر ومر الكلام في الصرصر فتذكر وهو صفة ريح وكذا قوله تعالى: * (عاتية) * أي شديدة العصف أو عتت على عاد فما قدروا على ردها والخلاص منها بحيلة من استتار ببناء أو لياذ بجبل أو اختفاء في حفرة فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم والعتو عليهما استعارة وأصله تجاوز الحد وهو قد يكون بالنسبة إلى الغير وقد لا يكون ومنه يعلم الفرق
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»