تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ١١٥
الحسن * (إن الله غفور رحيم) * فيغفر سبحانه ذنب من استغفره ويرحمه عز وجل وفي حذف المعمول دلالة على العموم وتفصيل الكلام فيه معلوم نسأل الله تعالى عظيم مغفرته ورحمته لنا ولوالدينا ولكافة مؤمني بريته بحرمة سيد خليقته وسند أهل صفوته صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وشيعته.
سورة المدثر مكية قال ابن عطية بإجماع وفي التحرير قال مقاتل إلا آية وهي: * (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة) * الخ وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يشعر بأن قوله تعالى عليها تسعة عشر مدني بما فيه وآيها ست وخمسون في العراقي والمدني الأول وخمس وخمسون في الشامي والمدني الأخير على ما فصل في محله وهي متواخية مع السورة قبلها في الافتتاح بنداء النبي صلى الله عليه وسلم وصدر كليهما نازل على المشهور في قصة واحدة وبدئت تلك بالأمر بقيام الليل وهو عبادة خاصة وهذه بالأمر بالإنذار وفيه من تكميل الغير ما فيه وروى أمية الأزدي عن جابر بن زيد وهو من علماء التابعين بالقرآن أن المدثر نزلت عقب المزمل وأخرجه ابن الضريس عن ابن عباس وجعلوا ذلك من أسباب وضعها بعدها والظاهر ضعف هذا القول فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وجماعة عن يحيى بن أبي كثير قالت سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال: * (يا أيها المدثر) * قلت يقولون اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء فلما قضيت حواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجئت منه رعبا فرجعت فقلت دثروني فدثروني فنزلت: * (يا أيها المدثر) * قم فأنذر وربك فكبر وفي رواية فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني زملوني فأنزل الله تعالى: * (يا أيها المدثر) * إلى قوله: * (فاهجر) * فإن القصة واحدة ولو كانت * (يا أيها المزمل) * هي النازلة قبل فيها لذكرت نعم ظاهر هذا الخبر يقتضي أن * (يا أيها المدثر) * نزل قبل اقرأ باسم ربك والمروى في " الصحيحين " وغيرهما عن عائشة أن ذاك أول ما نزل من القرآن وهو الذي ذهب إليه أكثر الأمة حتى قال بعضهم هو الصحيح ولصحة الخبرين احتاجوا للجواب فنقل في الاتقان خمسة أجوبة الأول: أن السؤال في حديث جابر كان عن نزول سورة كاملة فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها قبل تمام سورة اقرأ فإن أول ما نزل منها صدرها الثاني: أن مراد جابر بالأولية أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي لا أولية مطلقة الثالث: أن المراد أولية مخصوصة بالأمر بالإنذار وعبر بعضهم عن هذا بقوله أول ما نزل للنبوة اقرأ باسم ربك وأول ما نزل للرسالة * (يا أيها المدثر) * الرابع: أن المراد أول ما نزل بسبب متقدم وهو ما وقع من التدثر الناشىء عن الرعب وأما اقرأ فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم الخامس: أن جابر استخرج ذلك باجتهاده وليس هو من روايته فيقدم عليه ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها ثم قال وأحسن هذه الأجوبة الأول والأخير انتهى وفيه نظر فتأمل ولا تغفل.
* (ياأيها المدثر) * * (يا أيها المدثر) * أصله المتدثر فأدغم وهو على الأصل في حرف أبي من تدثر لبس الدثار بكسر الدال وهو ما فوق القميص الذي يلي البدن ويسمى شعارا لاتصاله بالبشرة والشعر ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الأنصار شعار والناس دثار والتركيب على ما قيل دائر مع معنى الستر على سبيل الشمول كان الدثار ستر بالغ مكشوف نودي صلى الله
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»