تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ١١١
في موافقة الأمر وكلاهما غير صحيح أما الأول فظاهر لا سيما على كون الأمر للوجوب وأما الثاني فلأن من جوز اجتهاده عليه الصلاة والسلام والخطأ فيه يقول إنه لا يقر عليه الصلاة والسلام على الخطأ وأجيب بالتزام أن الأمر وارد بالأقل لكنهم زادوا حذرا من الوقوع في المخالفة وكان يشق عليهم وعلم الله سبحانه أنهم لو لم يأخذوا بالأشق وقعوا في المخالفة فنسخ سبحانه الأمر كذا قيل فتأمل فالمقام بعد محتاج إليه وقرأ ابن كثير في رواية شبل وثلثه بإسكان اللام * (وطائقة من الذين معك) * عطف على الضمير المستتر في تقوم وحسنه الفصل بينهما أي وتقوم معك طائفة من أصحابك * (والله يقدر اليل والنهار) * لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله تعالى فإن تقديم اسمه تعالى مبتدأ مبنيا عليه يقدر دال على الاختصاص على ما ذهب إليه جار الله ويؤيده قوله تعالى: * (علم أن لن تحصوه) * فإن الضمير لمصدر يقدر لا للقيام المفهوم من الكلام والمعنى علم أن الشأن لن تقدروا على تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ولا يتأتى لكم حسابها بالتعديل والتسوية إلا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط وذلك شاق عليكم بالغ منكم * (فتاب عليكم) * أي بالترخيص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة عنكم في تركه فالكلام على الاستعارة حيث شبه الترخيص بقبول التوبة في رفع التبعة واستعمل اللفظ الشائع في المشبه به في المشبه كما في قوله تعالى فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وزعم بعضهم أنه على ما يتبادر منه فقال فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به وليس بشيء * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها وقيل الكلام على حقيقته من طلب قراءة القرآن بعينها وفيه بعد عن مقتضى السياق ومن ذهب إلى الأول قال إن الله تعالى افترض قيام مقدار معين من الليل في قوله سبحانه: * (قم الليل) * الخ ثم نسخ بقيام مقدار ما منه في قوله سبحانه: * (فتاب عليكم) * فاقرؤا الآية فالأمر في الموضعين للوجوب إلا أن الواجب أولا: كان معينا من معينات وثانيا: كان بعضا مطلقا ثم نسخ وجوب القيام على الأمة مطلقا بالصلوات الخمس ومن ذهب إلى الثاني قال إن الله تعالى رخص لهم في ترك جميع القيام وأمر بقراءة شيء من القرآن ليلا فكأنه قيل فتاب عليكم ورخص في الترك فاقرؤا ما تيسر من القرآن إن شق عليكم القيام فإن هذا لا يشق وتنالون بهذه القراءة ثواب القيام وصرح جمع أن فاقرؤا على هذا أمر ندب بخلافه على الأول هذا واعلم أنهم اختلفوا في أمر التهجد فعن مقاتل وابن كيسان أنه كان فرضا بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ بهن إلا ما تطوعوا به ورواه البخاري ومسلم في حديث جابر وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والدارمي وابن ماجه والنسائي عن سعد بن هشام قال قلت لعائشة يا أم المؤمنين انبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ألست تقرأ القرآن قلت بلى قالت فإن خلق نبي الله تعالى القرآن قال فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شيء حتى أموت ثم بدا لي فقلت انبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ألست تقرأ * (يا أيها المزمل) * قلت بلى قالت: فإن الله تعالى افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله وأصحابه حولا وأمسك الله تعالى خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله تعالى في آخر السورة التخفيف وصار قيام الليل تطوعا وفي رواية عنها أنه دام ذلك ثمانية أشهر وعن قتادة دام عاما أو عامين وعن بعضهم أنه كان واجبا وإنما وقع التخيير في المقدار ثم نسخ بعد عشر سنين وكان الرجل كما قال الكلبي يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين وقيل كان نفلا بدليل التخيير في المقدار وقوله تعالى: ومن الليل فتهجد به نافلة لك حكاه غير واحد وبحثوا فيه لكن قال الإمام صاحب الكشف لم يرد هذا القائل أن التخيير ينافي الوجوب بل استدل بالاستقراء وأن الفرائض لها أوقات محدودة
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»