تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ١٠١
غيره ولا حاجة إلى أن يقال أنه صلى الله عليه وسلم زمل نفسه أولا ثم نام فزمله غيره أو أنه زمله غيره أولا ثم سقط عنه ما زمل به فزمل هو نفسه والجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع إلى خديجة رضي الله تعالى عنها فقال زملوني زملوني فنزلت يا أيها المدثر وعلى أثرها نزلت يا أيها المزمل وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلاءل عن جابر رضي الله تعالى عنه قال لما اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا سموا هذا الرجل اسما تصدر الناس عنه فقالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون قالوا ساحر قالوا ليس بساحر قالوا يفرق بين الحبيب وحبيبه فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل عليه السلام فقال يا أيها المزمل يا أيها المدثر ونداؤه عليه الصلاة والسلام بذلك تأنيس له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها كقوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه حين غاضب فاطمة رضي الله تعالى عنها فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب قم أبا تراب قصدا لرفع الحجاب وطي بساط العتاب وتنشيطا له ليتلقى ما يرد عليه بلا كسل: وكل ما يفعل المحبوب محبوب * وزعم الزمخشري أنه عليه الصلاة والسلام نودي بذلك تهجينا للحالة التي عليها من التزمل في قطيفة واستعداده للاستثقال في النوم كما يفعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن إلى آخر ما قال مما ينادى عليه كما قال الأكثرون بسوء الأدب ووافقه في بعضه من وافقه وقال صاحب الكشف أراد أنه عليه الصلاة والسلام وصف بما هو ملتبس به يذكره تقاعده فهو من لطيف العتاب الممزوج بمحض الرأفة ولينشطه ويجعله مستعدا لما وعده تعالى بقوله سبحانه: * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) * ولا يربأ برسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا النداء فقد خوطب بما هو أشد في قوله تعالى: * (عبس وتولى) * ومثل هذا من خطاب الإدلال والترؤف لا يتقاعد ما في ضمنه من البر والتقريب عما في ضمن يا أيها النبي يا أيها الرسول من التعظيم والترحيب انتهى ولا يخفى أنه لا يندفع به سوء أدب الزمخشري في تعبيره فإنه تعالى وإن كان له أن يخاطب حبيبه بما شاء لكنا نحن لا نجري على ما عامله سبحانه به بل يلزمنا الأدب والتعظيم لجنابه الكريم ولو خاطب بعض الرعايا الوزير بما خاطبه به السلطان طرده الحجاب وربما كان العقاب هو الجواب وقيل كان صلى الله عليه وسلم متزملا بمرط لعائشة رضي الله تعالى عنها يصلي فنودي بذلك ثناء عليه وتحسينا لحاله التي كان عليها ولا يأباه الأمر بالقيام بعد إما لأنه أمر بالمداومة على ذلك والمواظبة عليه أو تعليم له عليه الصلاة والسلام وبيان لمقدار ما يقوم على ما قيل نعم أورد عليه أن السورة من أوائل ما نزل بمكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنى على عائشة رضي الله تعالى عنها بالمدينة مع أن الأخبار الصحيحة متضافرة بأن النداء المذكور كان وهو عليه الصلاة والسلام في بيت خديجة رضي الله تعالى عنها ويعلم منه حال ما روي عن عائشة أنها سئلت ما كان تزميله صلى الله عليه وسلم قالت كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا نصفه علي وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلي وكان سداه شعرا ولحمته وبرا وتكلف صاحب الكشف فقال الجواب أنه عليه الصلاة والسلام عقد في مكة فلعل المرط بعد العقد صار إليه صلى الله عليه وسلم نعم دل على أنه بعد وفاة خديجة إنما إشكال في قول عائشة نصفه علي الخ وجوابه أنه يمكن أن يكون قد بات صلى الله عليه وسلم في بيت الصديق رضي الله تعالى عنه ذات ليلة وكان المرط على عائشة وهي طفلة والباقي لطوله على النبي عليه الصلاة والسلام فحكت ذلك أم المؤمنين إذ لا دلالة على أنها حكاية ما بعد البناء فهذا ما يتكلف لصحة هذا القول انتهى وأنت تعلم أن هذا الحديث لم يقع في الكتب الصحيحة
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»