وجوز غير واحد من المعربين أن * (لو يطيعكم) * استئناف على معنى أنه لما قيل * (واعلموا أن فيكم رسول الله) * دالا على أنهم جاهلون بمكانه عليه الصلاة والسلام مفرطون فيما يجب من تعظيم شأنه أعلى الله تعالى شأنه اتجه لهم أن يسألوا ماذا فعلوا حتى نسبوا إلى التفريط وماذا ينتج من المضرة؟ فأجيبوا بما يصرح بالنتيجة لخفائها ويومىء إلى ما فيها من المعرة من وقوعهم في العنت بسبب استتباع من هو في علو المنصب اقتداء يتخطى أعلى المجرة، وهو حسن لولا أن * (واعلموا) * كلام من تتمة الأول كما يؤذن به العطف لا وارد تقريعا على الاستقلال فيأبى التقدير المذكور لتعين موجب التفريط، وأيضا يفوت التعريض وأن ذلك بادرة من بعضهم في قصة ابن عقبة ويتنافر الكلام، هذا * (وكره) * يتعدى بنفسه إلى واحد وإذا شدد زاد له آخر لكنه ضمن في الآية معنى التبغيض فعومل معاملته وحسنه مقابلته لحبب أو نزل * (إليكم) * منزلة مفعول آخر، و * (الكفر) * تغطية نعم الله تعالى بالجحود، و * (الفسوق) * الخروج عن القصد ومأخذه ما تقدم، * (والعصيان) * الامتناع عن الانقياد، وأصله من عصت النواة صلبت واشتدت، والكلام أعني قوله تعالى: * (ولكن الله) * الخ ثناء عليهم بما يردف التحبيب المذكور والتكريه من فعل الأعمال المرضية والطاعات والتجنب عن الأفعال القبيحة والسيآت على سبيل الكناية ليقع التقابل موقعه على ما سلف آنفا، وقيل: الداعي لذلك ما يلزم على الظاهر من المدح بفعل الغير مع أن الكلام مسوق للثناء عليهم وهو في إيثارهم الإيمان وإعراضهم عن الكفر وأخويه لا في تحبيب الله تعالى الإيمان لهم وتكريهه سبحانه الكفر وما معه إليهم. وأنت تعلم أن الثناء على صفة الكمال اختيارية كانت أولا شائع في عرف العرب والعجم، والمنكر معاند على أن ذلك واقع على الجماد أيضا، والمسلم الضروري أنه لا يمدح الرجل بما لم يفعله على أنه فعله، وإليه الإشارة في قوله تعالى: * (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * (آل عمران: 188) أما أنه لا يمدح به على أنه صفة له فليس بمسلم فلا تغفل.
* (فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) *.
* (فضلا من الله ونعمة) * تعليل للأفعال المستندة إليه عز وجل في قوله سبحانه: * (ولكن الله حبب) * (الحجرات: 7) الخ وما في البين اعتراض؛ وجوز كونه تعليلا للراشدين، وصح النصب على القول باشتراط اتحاد الفاعل أي من قام به الفعل وصدر عنه موجدا له أولا لما أن الرشد وقع عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه تبارك اسمه فإنه لو قيل مثلا حبب إليكم الإيمان فضلا منه وجعل كناية عن الرشد لصح فيحسن أن يقال: أولئك هم الراشدون فضلا ويكون في قوة أولئك هم المحببون فضلا أو لأن الرشد ههنا يستلزم كونه تعالى شأنه مرشدا إذ هو مطاوع أرشد، وهذا نظير ما قالوا من أن الإراءة تستلزم رؤية في قوله سبحانه: * (يريكم البرق خوفا وطمعا) * (الرعد: 12) فيتحد الفاعل ويصح النصب، وجوز كونه مصدرا لغير فعله فهو منصوب إما بحبب أو بالراشدين فإن التحبيب والرشد من فضل الله تعالى وإنعامه، وقيل: مفعول به لمحذوف أي يبتغون فضلا * (والله عليم) * مبالغ في العلم فيعلم أحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل * (حكيم) * يفعل كل ما يفعل من أفضال وأنعام وغيرهما بموجب الحكمة.
* (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) *.
* (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا) * أي تقاتلوا، وكان الظاهر اقتتلتا بضمير التثنية كما في قوله تعالى: * (فأصلحوا بينهما) * أي بالنصح وإزالة الشبهة إن كانت والدعاء إلى حكم الله عز وجل، والعدول إلى ضمير الجمع لرعاية المعنى فإن كل طائفة من الطائفتين جماعة فقد روعي في الطائفتين معناهما أولا ولفظهما ثانيا على