العدم فإنه يكنى بها عنه، وتعقبه أبو حيان بأن ذلك في صريح القلة لا في المفهوم من نفي الكثرة، وكان هؤلاء من بني تميم كما صرح به أكثر أهل السير. أخرج ابن إسحاق. وابن مردويه عن ابن عباس قال: قدم وفد بني تميم وهم سبعون رجلا أو ثمانون رجلا منهم الزبرقان بن بدر. وعطارد بن حاجب بن زرارة. وقيس بن عاصم. وقيس بن الحرث. وعمرو بن الأهتم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق معهم عيينة بن حصن بن بدر الفزاري وكان يكون في كل سوأة حتى أتوا منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوه من وراء الحجرات بصوت جاف يا محمد أخرج إلينا ثلاثا فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إن مدحنا زين وإن شتمنا شين نحن أكرم العرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم بل مدح الله تعالى الزين وشتمه الشين وأكرم منكم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فقالوا: إنا أتيناك لنفاخرك فذكره بطوله وقال في آخره: فقال التميميون والله إن هذا الرجل لمصنوع له لقد قام خطيبه فكان أخطب من خطيبنا وفاه شاعره فكان أشعر من شاعرنا وفيهم أنزل الله تعالى: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) * من بني تميم * (أكثرهم لا يعقلون) * هذا في القراءة الأولى.
وذكر ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق الخبر بطوله وعد منهم الأقرع بن حابس وذكر أنه وعيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف؛ وأن عمرو بن الأهتم خلفه القوم في ظهرهم وأن خطيبهم عطارد بن حاجب وخطيبه صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس وشاعرهم الزبرقان بن بدر وشاعره عليه الصلاة والسلام حسان بن ثابت وذكر الخطبتين وما قيل من الشعر وأنه لما فرغ حسان قال الأقرع: وأبى أن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أعلى من أصواتنا، وأنه لما فرغوا أسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم وأرسل لعمرو جائزته كالقوم، وتعقب ابن هشام الشعر بعض التعقب. وفي " البحر " أيضا ذكر الخبر بطوله مع مخالفة كلية لما ذكره ابن إسحاق، وفيه أن الأقرع قام بعد أن أنشد الزبرقان ما أنشد وأجابه حسان بما أجاب فقال: إني والله لقد جئت لأمر وقد قلت شعرا فاسمعه فقال: أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا * إذا خالفونا عند ذكر المكارم وأنا رؤوس الناس من كل معشر * وأن ليس في أرض الحجاز كدارم وأن لنا المرباع في كل غارة * تكون بنجد أو بأرض التهائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان: قم فأجبه فقال: بني دارم لا تفخروا إن فخركم * يصير وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول من بين ظئر وخادم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كنت يا أخا دارم غنيا أن يذكر منك ما ظننت أن الناس قد نسوه فكان قوله عليه الصلاة والسلام: أشد عليهم من جميع ما قال حسان ثم رجع حسان إلى شعره فقال: فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن يقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * ولا تفخروا عند النبي بدارم وإلا ورب البيت قد مالت القنا * على هامكم بالمرهفات الصوارم