شرع من قبله بل بما ترجح عنده صلى الله عليه وسلم ثبوته. والذي ينبغي أن يرجح كون ذلك من شرع إبراهيم عليه السلام لأنه من ذريته عليهما الصلاة والسلام وقد كلفت العرب بدينه.
وقال بعضهم: إن عبادته صلى الله عليه وسلم التفكر والاعتبار، ولعله أيضا مما ترجح عنده عليه الصلاة والسلام كونه من شريعته عليه السلام وربما يقال: بما علمه صلى الله عليه وسلم لا على ذلك الوجه من شرع من قبله أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل موحى إليه وأنه عليه الصلاة والسلام متعبد بما يوحي إليه إلا أن الوحي السابق على البعثة كان إلقاء ونفثا في الروع وما عمل بما كان من شرائع أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام إلا بواسطة ذلك الإلقاء وإذا كان بعض إخوانه من الأنبياء عليهم السلام قد أوتي الحكم صبيا ابن سنتين أو ثلاث فهو عليه الصلاة والسلام أولى بأن يوحى إليه ذلك النوع من الإيحاء صبيا أيضا.
ومن علم مقامه صلى الله عليه وسلم وصدق بأنه الحبيب الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين لم يستبعد ذلك فتأمل.
* (ولاكن جعلناه) * أي الروح الذي أوحيناه إليك، وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل: للإيمان ورجح بالقرب، وقيل: للكتاب والإيمان ووحد لأن مقصدهما واحد فهو نظير * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) * (التوبة: 62).
* (نورا) * عظيما * (نهدي به من نشاء) * هدايته * (من عبادنا) * وهو الذي يصرف اختياره نحو الاهتداء به والجملة إما مستأنفة أو صفة * (نورا) * وقوله تعالى: * (وإنك لتهدي) * تقرير لهدايته، وبيان لكيفيتها، ومفعول * (لتهدي) * محذوف ثقة بغاية الظهور أي وإنك لتهدي بذلك النور من تشاء هدايته * (إلى صراط مستقيم) * وهو الإسلام وسائر الشرائع والأحكام؛ وقرأ ابن السميقع * (لتهدي) * بضم التاء وكسر الدال من أهدى، وقرأ حوشب * (لتهدي) * مبنيا للمفعول أي ليهديك الله وقرىء لتدعو.
* (صراط الله الذى له ما فى السماوات وما فى الارض ألا إلى الله تصير الامور) *.
* (صراط الله) * بدل من الأول وإضافته إلى الاسم الجليل ثم وصفه بقوله تعالى: * (الذي له ما في السموات وما في الأرض) * لتفخيم شأنه وتقرير استقامته وتأكيد وجوب سلوكه فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى خلفا وملكا وتصرفا مما يوجب ذلك أتم إيجاب.
* (ألا إلى الله تصير الأمور) * أي أمور من فيهما قاطبة لا إلى غيره تعالى وذلك بارتفاع الوسائط يوم القيامة ففيه من الوعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم والوعيد للضالين عنه ما لا يخفى، وصيغة المضارع على ما قررنا على ظاهرها من الاستقبال، وقال في " البحر ": المراد بها الاستمرار كما في زيد يعطي أي من شأنه ذلك، والأول أظهر والله تعالى أعلم.
ومما قاله أرباب الإشارات في بعض الآيات: قال سبحانه: * (لتنذر أم القرى ومن حولها) * قيل يشير ذلك إلى إنذار نفسه الشريفة لأنها أم قرى نفوس آدم وأولاده لأنه صلى الله عليه وسلم أول العالمين خلقا ومنه عليه الصلاة والسلام نشأت الأرواح والنفوس ومن هذا كان آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم، وقد أشار إلى ذلك سلطان العاشقين عمر بن الفارض بقوله على لسان الحقيقة المحمدية: وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي منه معنى شاهد بأبوتي وقوله سبحانه: * (ومن حولها) * (الشورى: 7) يشير إلى نفوس أهل العالم وقد أنذر صلى الله عليه وسلم كلا حسب استعداده، وقيل: في قوله تعالى: * (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) * (الشورى: 11) إنه يشير إلى التنزيه والتشبيه، وقرر ذلك الشيخ الأكبر قدس سره بما يطول * (له مقاليد السموات والأرض) * (الشورى: 12) أي مفاتيح سموات القلوب وفيها خزائن لطفه تعالى ورحمته عز وجل وأرض النفوس وفيها خزائن قهره سبحانه وعزته جل جلاله فكل قلب مخزن لنوع من ألطافه كالمعرفة والمحبة والشوق والتوحيد والهيبة والانس والرضا إلى غير ذلك، وقد يجتمع في القلب خزائن وكل نفس مخزن لنوع من آثار قهره كالنكرة والجحود والإنكار والشرك والنفاق والحرص والكبر والبخل والشره وغير ذلك، وقد