ولذلك بالغ عز وجل في الوعيد حيث قال سبحانه:
* (إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شىء عليما) *.
* (إن تبدوا شيئا) * مما لا خير فيه على ألسنتكم كأن تتحدثوا بنكاحهن * (أو تخفوه) * في صدوركم * (فإن الله كان بكل شيء عليما) * كامل العلم فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة، وهذا دليل الجواب والأصل إن تبدوا شيئا أو تخفوه يجازكم به فإن الله الخ.
وقيل هو الجواب على معنى فأخبركم أن الله الخ، وفي تعميم * (شيء) * في الموضعين مع البرهان على المقصود من ثبوت علمه تعالى بما يتعلق بزوجاته صلى الله عليه وسلم مزيد تهويل وتشديد ومبالغة الوعيد، وسبب نزول الآية على ما قيل أنه لما نزلت آية الحجاب قال رجل: اننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد صلى الله عليه وسلم لنتزوجن نساءه، وفي بعض الروايات تزوجت عائشة أو أم سلمة.
وأخرج جويبر عن ابن عباس أن رجلا أتى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكلمها وهو ابن عمها فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا فقال: يا رسول الله إنها ابنة عمي والله ما قلت لها منكرا ولا قالت لي قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد عرفت ذلك أنه ليس أحد أغير من الله تعالى وأنه ليس أحد أغير مني فمضى ثم قال: عنفني من كلام ابنة عمي لأتزوجنها من بعده فأنزل الله تعالى هذه الآية فأعتق ذلك الرجل رقبة وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله تعالى وحج ماشيا من كلمته.
وأخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن المنذر عن قتادة أن طلحة بن عبيد الله قال: لو قبض النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة فنزلت * (وما كان لكم) * الآية.
قال ابن عطية: كون القائل طلحة رضي الله تعالى عنه لا يصح وهو الذي يغلب على ظني ولا أكاد أسلم الصحة إلا إذا سلم ما تضمنه خبر ابن عباس مما يدل على الندم العظيم، وفي بعض الروايات أن بعض المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة. وحفصة بعد خنيس بن حذافة ما بال محمد صلى الله عليه وسلم يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت، ولعمري أن ذلك غير بعيد عن المنافقين وهو أبعد من العيوق عن المؤمنين المخلصين لا سيما من كان من المبشرين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ورأيت لبعض الأجلة أن طلحة الذي قال ما قال ليس هو طلحة أحد العشرة وإنما هو طلحة آخر لا يبعد منه القول المحكي وهذا من باب اشتباه الاسم فلا إشكال.
* (لا جناح عليهن فىءابآئهن ولا أبنآئهن ولا إخوانهن ولا أبنآء إخوانهن ولا أبنآء أخواتهن ولا نسآئهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شىء شهيدا) *.
* (لا جناح عليهن في ءابائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن) * استئناف لبيان من لا يجب عليهن الاحتجاب عنه، روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب أو نحن يا رسول الله نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت، والظاهر أن المعنى لا إثم عليهن في ترك الحجاب من آبائهن الخ، وروي ذلك عن قتادة، وعن مجاهد أن المراد لا جناح عليهن في وضع الجلباب وإبداء الزينة للمذكورين، وفي حكمهم كل ذي رحم محرم من نسب أو رضاع على ما روى ابن سعد عن الزهري، وأخرج ابن أبي شيبة. وأبو داود في ناسخه عن عكرمة قال: بلغ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عائشة رضي الله تعالى عنها احتجبت من الحسن رضي الله تعالى عنه فقال: إن رؤيته لها لحل. ولم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين أو لأنه اكتفى عن ذكرهما بذكر أبناء الإخوة وأبناء الأخوات فإن مناط عدم لزوم الحجاب بينهن وبين الفريقين عين ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخؤولة لما أنهن عمات لأبناء الأخوة وخالات لأبناء الأخوات، وقال الشعبي: