عليه السلام شيئا فشيئا في عشرين أو في ثلاث وعشرين سنة على تؤدة وتمهل وهو مأخوذ من قولهم: ثغر مرتل أي مفلج الأسنان غير متلاصقها.
* (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) * * (ولا يأتونك بمثل) * من الأمثال التي من جملتها اقتراحاتهم القبيحة الخارجة عن دائرة العقول الجارية لذلك مجرى الأمثال أي لا يأتونك بكلام عجيب هو مثل في البطلان يريدون به القدح في نبوتك ويظهرونه لك * (إلا جئناك) * في مقابلته * (بالحق) * أي بالجواب الحق الثابت الذي ينحى عليه بالإبطال ويحس مادة القيل والقال كما مر من الأجوبة الحقة القالعة لعروق أسئلتهم الشنيعة الدامغة لها بالكلية، وقوله تعالى: * (وأحسن تفسيرا) * عطف على * (الحق) * أي جئناك بأحسن تفسيرا أي بما هو أحسن أو على محل * (بالحق) * أي استحضرنا لك وأنزلنا عليك الحق وأحسن تفسيرا أي كشفا وبيانا على معنى أنه في غاية ما يكون من الحسن في حد ذاته لا أن ما يأتون به له حسن في الجملة وهذا أحسن منه، وهذا نظير قولهم: الله تعالى أكبر أي لع غاية الكبرياء في حد ذاته وبعضهم قدر مفضلا عليه فقال: أي وأحسن تفسيرا من مثلهم وحسنه على زعمهم أو هو تهكم، وتعقب الأول بأنه يفوت عليه معنى التسلية لأن المراد لا يهلك ما اقترحوه من قولهم: * (لولا أنزل عليه القرءان جملة) * (الفرقان: 32) فإن تنزيله مفرقا أحسن مما اقترحوه لفوائد شتى وفيه منع ظاهر، وقيل: المراد بالتفسير المعنى، والمراد وأحسن معنى لأنه يقال: تفسير كذا كذا أي معناه فهو مصدر بمعنى المفعول لأن المعنى مفسر كدرهم ضرب الأمير، ورد بأن المفسر اسم مفعول هو الكلام لا المعنى لأنه يقال فسرت الكلام لا معناه.
وقال الطيبي: وضع التفسير موضع المعنى من وضع السبب موضع المسبب لأن التفسير سبب لظهور المعنى وكشفه، وقيل عليه: إنه فرق بين المعنى وظهوره فلا يتم التقريب وقد يكتفي بسببيته له في الجملة.
وأيا ما كان فهو نصب على التمييز والاستثناء مفرع من أعم الأحوال فالجملة في محل النصب على الحالية أي لا يأتونك بمثل في حال من الأحوال أي آلا حال إنزالنا عليك واستحضارنا لك الحق وأحسن تفسيراف، وجعل ذلك مقارنا لاتيانهم وإن كان بعده للدلالة على المسارعة إلى إبطال ما أتوا به تثبيتا لفؤاده صلى الله عليه وسلم، وجوز أن يكون المثل عبارة عن الصفة الغريبة التي كانوا يقترحون كونه عليه الصلاة والسلام عليها من الاستغناء عن الأكل والشرب وحيازة الكنز والجنة ونزول القرآن عليه جملة واحدة على معنى لا يأتوك بحالة عجيبة يقترحون اتصافك بها قائلين هلا كان على هذه الحالة إلا أعطيناك نحن من الأحوال الممكنة ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه وما هو أحسن، وتعقب بأنه يأباه الاستثناء المذكور فإن المتبادر منه أن يكون ما أعطاه الله تعالى من الحق مترتبا على ما أتوا به من الأباطيل دامغا لها ولا ريب في أن ما أتاه الله تعالى من الملكات السنية الطائفة بالرسالة قد أتاه من أول الأمر لا بمقابلة ما حكى عنهم من الاقتراحات لأجل دمغها، وإبطالها.
وأجيب بأن معنى * (إلا جئناك) * الخ على ذلك إلا أظهرنا فيك ما يكشف عن بطلان ما أتوا به وهو كما ترى فالحق التعويل على الأول. والمشهور أن الاتيان والمجيء بمعنى لكن عبر أولا بالاتيان، وثانيا بالمجيء للتفنن وكراهة أن يتحد ما ينسب إليه عز وجل وما ينسب إليهم لفظا مع كون ما أتوا به في غاية القبح والبطلان وما جاء به سبحانه في غاية الحقية والحسن، وفرق الراغب بينهما فقال المجيء كالاتيان لكن المجيء أعم لأن الإتيان مجيء بسهولة، ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتى وأتاوى، والاتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن