تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٨٦
مع أنا نرى الصحابة رضي الله تعالى عنهم يسارعون إلى امتثال الأوامر عند إخباره صلى الله عليه وسلم إياهم بوحي الله تعالى إليه بها من من غير انتظار ما يجيء بعد ذلك فيها مما يحقق أنها ليست عن تلبيس فافهم والله تعالى الموفق.
وتوسط جمع في أمر هذه القصة فلم يثبتوها كما أثبتها الكوراني عفا الله تعالى عنه من أنه صلى الله عليه وسلم نطق بما نطق عمدا معتقدا للتلبيس أنه وحي حاملا له على خلاف ظاهره ولم ينفوها بالكلية كما فعل أجلة إثبات وإليه أميل بل أثبتوها على وجه غير الوجه الذي أثبته الكوراني واختلفوا فيه على أوجه تعلم مما أسلفناه من نقل الأقوال في الآية وكلها عندي مما لا ينبغي أن يلتفت إليها. وفي " شرح الجوهرة الأوسط " أن حديث تلك الغرانيق الخ ظاهره مخالف للقواطع فيجب تأويله إن صح بما هو مذكور في موضعه مما أقربه على نظر فيه أن الشيطان ترصد قراءته عليه الصلاة والسلام وكان يرتل القراءة إذ ذاك عند البيت فحين انتهى عليه الصلاة والسلام إلى قوله تعالى: * (أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى) * (النجم: 19، 20) وكان منه عليه الصلاة والسلام وقفة ما للترتيل أدرج ذلك في تلاوته محاكيا صوته صلى الله عليه وسلم فظن أنه من قوله عليه الصلاة والسلام وليس به انتهى، والنظر الذي أشار إليه لا يخفى على من أحاط بما قدمناه خبرا وأخذت العناية بيديه، وأقبح الأقوال التي رأيناها في هذا الباب وأظهرها فسادا أنه صلى الله عليه وسلم أدخل تلك الكلمة من تلقاء نفسه حرصا على إيمان قومه ثم رجع عنها، ويجب على قائل ذلك التوبة كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، وقريب منه ما قيل إنها كانت قرآنا منزلا في وصف الملائكة عليهم السلام فلما توهم المشركون أنه يريد عليه الصلاة والسلام مدح آلهتهم بها نسخت، وأنت تعلم أن تفسير الآية أعنى قوله تعالى: * (وما أرسلنا) * الخ لا يتوقف على ثبوت أصل لهذه القصة، وأقرب ما قيل في تفسيرها على القول بعدم الثبوت ما قدمناه، وقيل: هو بعيد صدقوا لكن عن إيهام الإخلال بمقام النبوة ونحو ذلك، واستفت قلبك إن كنت ذا قلب سليم. هذا وأخرج عبد بن حميد. وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقرأ * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) * فنسخ * (ولا محدث) * والمحدثون صاحب يس. ولقمان. ومؤمن من آل فرعون. وصاحب موسى عليه السلام.
* (الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات فى جن‍ات النعيم) *.
* (الملك) * أي السلطان القاهر والاستيلاء التام والتصرف على الإطلاق * (يومئذ) * أي يوم إذا تأتيهم الساعة أو عذابها؛ وقيل أي يوم إذ تزول مريتهم وليس بذلك، ومثله ما قيل أي يوم إذ يؤمنون * (لله) * وحده بلا شريك أصلا بحيث لا يكون فيه لأحد تصرف من التصرفات في أمر من الأمور لا حقيقة ولا مجاز أو لا صورة ولا معنى كما في الدنيا فإن للبعض فيها تصرفا صوريا في الجملة والتنوين في إذ عوض عن المضاف إليه، وإضافة يوم إليه من إضافة العام إلى الخاص وهو متعلق بالاستقرار الواقع خبرا، وقوله سبحانه: * (يحكم بينهم) * جملة مستأنفة وقعت جواب سؤال نشأ من الاخبار بكون الملك يومئذ لله، وضمير الجمع للفريقين المؤمنين ولكافرين لذكرهما أولا واشتمال التفصيل عليهما آخرا، نعم ذكر الكافرين قبيلة ربما يوهم تخصيصه بهم كأنه قيل: فماذا يصنع سبحانه بالفريقين حينئذ؟ فقيل: يحكم بينهم بالمجازاة، وجوز أن تكون حالا من الاسم الجليل * (فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * وهم الذين لا مرية لهم فيما أشير إليه سابقا كيفما كان متعلق الايمان * (في جنات النعيم) * أي مستقرون في جنات مشتملة على النعم
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»