كثير من المفسرين تحت الأستار حتى أن بعضهم لم يتعرض لشيء، وبعضهم ادعى أن ذلك تأكيد، وآخر زعم ما لا يعول عليه حتى سمعت عن شخص أنه قال: إن العدول عن استطعماهم لأن اجتماع الضميرين في كلمة واحدة مستثقل وهو قول يحكي ليردفان القرآن والكلام الفصيح مملوء من ذلك ومنه ما يأتي في الآية، ومن تمام الكلام فيما ذكر أن استطعما إن جعل جوابا فهو متأخر عن الإتيان وإذا جعل صفة احتمل أن يكون الإتيان قد اتفق قبل هذه المرة وذكر تعريفا وتنبيها على أنه لم يحملهما على عدم الإتيان لقصد الخير فهذا ما فتح الله تعالى علي والشعر يضيق عن الجواب وقد قلت: لأسرار آيات الكتاب معاني * تدق فلا تبدو لكل معاني وفيها لمرتاض لبيب عجائب * سنا برقها يعنو له القمران إذا بارق منها لقلبي قد بدا * هممت قرير العين بالطيران سرورا وإبهاجا وصولا على العلا * كأني علا فوق السماك مكاني فما الملك والاكران ما البيض ما القنا * وعندي وجوه أسفرت بتهاني وهاتيك منها قد أبحتك سرها * فشكرا لمن أولاك حسن بياني أرى استطعما وصفا على قرية جرى * وليس لها والنحو كالميزان صناعته تقضي بأن استتار ما * يعود عليه ليس في الإمكان وليس جوابا لا ولاصف أهلها * فلا وجه للإضمار والكتمان وهذي ثلاث ما سواها بممكن * تعين منها واحد فسباني ورضت بها فكري إلى أن تمحضت * به زبدة الأحقاب منذ زمان وإن حياتي في تموج أبحر * من العلم في قلبي يمد لساني إلى آخر ما تحمس به، وفيه من المناقشة ما فيه. وقد اعترض بعضهم بأنه على تقدير كون الجملة صفة للقرية يمكن أن يؤتي بتركيب أخصر مما ذكر بأن يقال: فلما أتيا قرية استطعما أهلها فما الداعي إلى ذكر الأهل أولا على هذا التقدير، وأجيب بأنه جىء بالأهل للإشارة إلى أنهم قصدوا بالإتيان في قريتهم وسألوا فمنعوا ولا شك أن هذا أبلغ في اللؤم وأبعد عن صدور جميل في حق أحد منهم فيكون صدور ما صدر من الخضر عليه السلام غريبا جدا، لا يقال: ليكن التركيب كذلك وليكن على الإرادة الأهل تقديرا أو تجوزا كما في قوله تعالى: * (واسئل القرية) * (يوسف: 82) لأنا نقول: إن الإتيان ينسب للمكان كأتيت عرفات ولمن فيه كأتيت أهل بغداد فلو لم يذكر كان فيه تفويتا للمقصود، وليس ذلك نظير ما ذكر من الآية لامتناع سؤال نفس القرية عادة، واختار الشيخ عز الدين على الموصلي في جواب الصفدي أن تكرار الأهل والعدول عن استطعماهم إلى * (استطعما أهلها) * للتحقير وهو أحد نكات إقامة الظاهر مقام الضمير وبسط الكلام في ذلك نثيرا؛ وقال نظما: سألت لماذا استطعما أهلها أتى * عن استطعماهم إن ذاك لشان وفيه اختصار ليس ثم ولم تقف * على سبب الرجحان منذ زمان فهاك جوابا رافعا لنقابه * يصير به المعنى كرأي عيان
(٤)