تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢٦
قراءة العامة كذلك * (وقد أفلح اليوم من استعلى) * اعتراض تذييلي من قبلهم مؤكد لما قبله من الأمرين أي قد فاز بالمطلوب من غلب. فاستفعل بمعنى فعل كما في " الصحاح " أو من طلب العلو والغلب وسعى سعيه على ما في " البحر ". فاستفعل على بابه، ولعله أبلغ في التحريض حيث جعلوا الفوز لمن طلب الغلب فضلا عمن غلب بالفعل وأرادوا بالمطلوب ما وعدهم فرعون من الأجر والتقريب حسبما نطق به قوله تعالى: * (وإنكم لمن المقربين) * (الأعراف: 114) وبمن استعلى أنفسهم جميعا على طريقة قولهم بعزة فرعون إنا * (لنحن الغالبون) * أو من استعلى منهم حثا على بذل المجهود في المغالبة.
وقال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلو المذوم وقد يكون لغيره وهو ههنا يحتملهما فلهذا جاز أن يكون هذا الكلام محكيا عن هؤلاء القائلين للتحريض على إجماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله عز وجل فالمستعلى موسى. وهارون عليهما السلام ولا تحريض فيه.
وأنت تعلم أن الظاهر هو الأول.
* (قالوا ياموسى إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون أول من ألقى) * * (قالوا) * استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعلوا بعد ما قالوا ذلك؟ فقيل قالوا: * (يا موسى) * وإنما لم يتعرض لإجماعهم وإتيانهم مصطفين إشعارا بظهور أمرهما وغنائهما عن البيان * (إما أن تلقى) * أي ما تلقيه أولا على أن المفعول محذوف لظهوره أو تفعل الإلقاء أولا على أن الفعل منزل منزلة اللازم * (وإما أن نكون أول من ألقى) * ما يلقيه أو أول من يفعل الإلقاء خيروه عليه السلام وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم، وقيل: مراعاة للأدب معه عليه السلام. وأن مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر أي إما تختار القاءك أو تختار كوننا أول من ألقى أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر إما القاؤك أو كوننا أول من القى. واختار أبو حيان كونه مبتدأ محذوف الخبر أي القاؤك أول بقرينة * (أو نكون أول من ألقى) * وبه تتم المقابلة لكنها معنوية.
* (قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * * (قال) * استئناف كما مر كأنه قيل: فماذا قال عليه السلام؟ فقيل قال: * (بل ألقوا) * أنتم أولا إظهارا لعدم المبالاة بسحرهم وإسعافا لما أوهموا من الميل إلى البدء في شقهم حيث غيروا النظم إلى وجه أبلغ إذ كان الظاهر أن يقولوا: وإما أن نلقى وليبرزوا ما معهم ويستفرغوا جهدهم ويستنفذوا قصارى وسعهم ثم يظهر الله تعالى شأنه سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه.
قيل وفي ذلك أيضا مقابلة أدب بأدب، واستشكل بعضهم هذا الأمر ظنا منه أنه يستلزم تجويز السحر فحمله دفعا لذلك على الوعيد على السحر كما يقال للعبد العاصي: إفعل ما أردت، وقال أبو حيان: هو مقرون بشرط مقدر أي ألقوا إن كنتم محقين. وفيه أنه عليه السلام يعلم عدم إحقاقهم فلا يجدي التقدير يريدون ملاحظة غيره.
وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى ذلك ولا إشكال فإن هذا كالأمر بذكر الشبهة لتنكشف. والقول بأن تقديم سماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفرغ لإدراك الحجة بعد ذلك فتبقى مما لا يلتفت إليه.
* (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * الفاء فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى: * (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفلق) * (البقرة: 60) أي فالقوا فإذا حبالهم الخ. وهي في الحقيقة عاطفة لجملة المفاجأة على الجملة المحذوفة. وإذا فجائية وهي عند الكوفيين حرف وهو مذهب مرجوح عند أبي حيان وظرف زمان عند الرياشي وهو كذلك عنده أيضا وظرف مكان عند المبرد وهو ظاهر كلام سيبويه ومختار
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»