والسلام إلى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد تنسى ما دامت الليالي والأيام، وجاء لعنهم في القرآن إما على الخصوص كما زعمته الشيعة أو على العموم كما نقول فقد قال سبحانه وتعالى: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) * (الأحزاب: 57) وقال عز وجل * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فاصمهم وأعمى أبصارهم) * (محمد: 22، 23) إلى آيات أخر ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولا أوليا لكن لا يخفى أن هذا لا يسوغ عند أكثر أهل السنة لعن واحد منهم بخصوصه فقد صرحوا أنه لا يجوز لعن كافر بخصوصه ما لم يتحقق موته على الكفر كفرعون ونمروذ فكيف من ليس كافرا، وادعى السراج البلقيني جواز لعن العاصي المعين ونور دعواه بحديث الصحيحين " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فابت أن تجيء فبات غضبان لعنها الملائكة حتى تصبح ".
وقال ولده الجلال بحثت مع والدي في ذلك باحتمال أن يكون لعن الملائكة لها بالعموم بأن يقول: لعن الله تعالى من باتت مهاجرة فراش زوجها ولو استدل لذلك بخير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم بوجهه فقال: لعن الله تعالى من فعل هذا لكان أظهر إذ الإشارة بهذا صريحة في لعن معين إلا أن يؤول بأن المراد فاعل جنس ذلك لا فاعل هذا المعين وغيه ما فيه؛ واستدل بعض من وافقه لذلك أيضا بما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم العن رعلا. وذكوان. وعصية عصوا الله تعالى ورسوله " فإن فيه لعن أقوام بأعيانهم. وأجيب بأنه يجوز انه عليه الصلاة والسلام علم موتهم أو موت أكثرهم على الكفر فلم يلعن إلا من علم موته عليه وهو كما ترى، ولا يخفى أن تفسير الآية بما ذكر غير ظاهر الملاءمة للسياق والله تعالى أعلم بصحة الأحاديث، وقيل الشجرة الملعونة مجاز عن أبي جهل وكان فتنة وبلاء على المسلمين لعنه الله تعالى، وقيل مجاز عن اليهود الذين تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنهم في القرآن ظاهر، وفتنتهم انهم كانوا ينتظرون لأبعثته عليه الصلاة والسلام فلما بعث كفروا به وقالوا: ليس هو الذي كنا ننتظره فثبطوا كثيرا من الناس بمقالتهم عن الإسلام.
* (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أءسجد لمن خلقت طينا) * * (وإذ قلنا للملائكة) * تذكير لما جرى منه تعالى من الأمر ومن الملائكة من الامتثال والطاعة من غير تثبط وتحقيق لمضموم قوله تعالى: * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) * (الإسراء: 57) الخ، أما إن كان المراد من الموصول الملائكة فظاهر، واما إن كان غيرهم فللمقايسة، وفيه إشارة إلى عاقبة أولئك الذين عاندوا الحق واقترحوا الآيات وكذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنهم داخلون في الذرية الذين احتنكهم إبليس عليه اللعنة واتبعوه اتباع الظل لذويه دخولا أوليا ومساركون له في العناد أتم مشاركة حتى قالوا: * (إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء) * (الأنفال: 32) فوجه مناسبة الآية لما قبلها ظاهر، وقيل الوجه مشابهة قريش الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم لابليس في أن كلا منهما حمله الحسد والكبر على ما صدر منه أي واذكر وقت قولنا للملائكة * (اسجدوا الآدم) * تحية وتكريما له عليه السلام، وقيل المعنى اجعلواه قبلة سجودكم لله تعالى * (فسجدوا) * من غير تلعثتم امتثالا لأمره تعالى * (إلا إبليس) * لم يكن من الساجدين وكان معدودا في عدادهم مندرجا تحت الأمر بالسجود * (قال) * استئناف بياني كأنه قيل فما كان منه بعد التخلف؟ فأجيب بأنه قال أي بعد أن وبخ بما وبخ مما قصه الله سبحانه في غير هذا الموضع على سبيل الإنكار والتعجب * (ءأسجد) * وقد خلقتني من نار * (لمن خلقت طينا) * نصب على نزع الخافض