تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٣٣
عليه وسلم على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا: نبيع دورنا ونشتري دورا قريبة من المسجد فأنزل الله تعالى الآية، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومن هنا قال بعضهم: الأولى الحمل على العموم أي علمنا من اتصف بالتقدم والتأخر في الولادة والموت والإسلام وصفوف الصلاة وغير ذلك.
* (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) * .
* (وإن ربك هو يحشرهم) * للجزاء، وتوسيط الضمير قيل للحصر أي هو سبحانه يحشرهم لا غير، وقيل عليه: إنه في مثل ذلك يكون الفعل مسلم الثبوت والنزاع في الفاعل وههنا ليس كذلك فالوجه جعله لإفادة التقوى. وتعقب بأن هذا في القصر الحقيقي غير مسلم وتصدير الجملة بإن لتحقيق الوعد والتنبيه على ما سبق يدل على صحة الحكم، وفي الالتفات والتعرض لعنوان الربوبية إشعار بعلته، وفي الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم دلالة على اللطف به عليه الصلاة والسلام. وقرأ الأعمش * (يحشرهم) * بكسر الشين * (إنه حكيم) * بالغ الحكمة متقن في أفعاله. والحكمة عندهم عبارة عن العلم بالأشياء على ما هي عليه والإتيان بالأفعال على ما ينبغي * (عليم) * وسع علمه كل شيء، ولعل تقديم وصف الحكمة للإيذان باقتضائها للحشر والجزاء، وقد نص بعضهم على أن الجملة مستأنفة للتعليل.
* (ولقد خلقنا الإنس‍ان من صلص‍ال من حمإ مسنون) * .
* (ولقد خلقنا الإنسان) * أي هذا النوع بأن خلقنا أصله وأول فرد من أفراده خلقا بديعا منطويا على خلق سائر أفراده انطواء إجماليا.
* (من صلصال) * أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر. أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة ونقله في " الدر المصون " عن أبي عبيدة ونقل عنه أبو حيان أنه قال: هو الطين المخلوط بالرمل وهو رواية عن ابن عباس، وفي رواية أخرى عنه أنه الطين المرقق الذي يصنع منه الفخار، وفي أخرى نحو الأول، وقيل: هو من صلصل إذ أنتن تضعيف صل يقال: صل اللحم وأصل إذا أنتن وهذا النوع من المضعف مصدر يفتح أوله ويكسر كالزلزال ووزنه عند جمهور البصريين فعلال، وقال الفراء: وكثير من النحويين فعفع كررت الفاء والعين ولا لام، وغلطهم في " الدر المصون " لأن أقل الأصول ثلاثة فاء وعين ولام، وقال بعض البصريين والكوفيين: فعفل ونسب أيضا إلى الفراء بل قيل هو المشهور عنه، وعن بعض آخر من الكوفيين أن وزنه فعل بتشديد العين والأصل صلل مثلا فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس الفاء، وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوط الثالث كلملم وكبكب فإنك تقول لم وكب فلو لم يصح المعنى بسقوطه نحو سمسم فلا خلاف في أصالة الجميع، وقال اليمني: ليس معنى قولهم: إن الأصل صلل أنه زيد فيه صاد بل هو ربقاعي كزلزل والاشتراك في أصل المعنى لا يقتضي أن يكون منه إذ الدليل دال على أن الفاء لا تزاد لكن زيادة الحرف تدل على زيادة المعنى، وذكر في " البحر " أن صلصال بمعنى مصلصل كالقضاض بمعنى المقضقض فهو مصدر بمعنى الوصف ومثله كثير.
* (من حمإ) * من طين تغير واسود من مجاورة الماء ويقال للواحدة حمأة، قال الليث: بتحريك الميم ووهم في ذلك وقالوا: لا نعرف الحمأة في كلام العرب إلا ساكنة الميم وعلى هذا أبو عبيدة والأكثرون، والجار والمجرور في موضع الصفة لصلصال كما هو السنة الشائعة في الجار والمجرور بعد النكرة أي من صلصال كائن من حمإ، وقال الحوفي: هو بدل مما قبله بإعادة الجار فكأنه قيل خلقناه من حمإ * (مسنون) *
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»