قيل: نحن القادرون على إيجاده وخزنه في السحاب وإنزاله، وما أنتم على ذلك بقادرين، وقيل: المراد نفي حفظه أي وما أنتم له بحافظين في مجاريه عن أن يغور فلا تنتفعون به وعن سفيان أن المعنى وما أنتم له بمانعين لإنزاله من السماء.
* (وإنا لنحن نحى ونميت ونحن الوارثون) * .
* (وإنا لنحن نحيي) * بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها * (ونميت) * بإزالتها عنها فالحياة صفة وجودية وهي كما قيل صفة تقتضي الحس والحركة الإرادية والموت زوال تلك الصفة، وقال بعضهم: إنه صفة وجودية تضاد الحياة لظاهر قوله تعالى: * (الذي خلق الموت) * وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك، وقد يعمم الأحياء والإماتة بحيث يشمل الحيوان والنبات مثل أن يقال: المراد إعطاء قوة النماء وسلبها، وتقديم الضمير للحصر، وهو إما توكيد للأول ومبتدأ خبره الجملة بعده والمجموع خبر لأنا، وجوز كونه ضمير فصل ورده أبو البقاء بوجهين:
أحدهما: أنه لا يدخل على الخبر الفعلي والثاني: أن اللام لا تدخل عليه، وتعقب ذلك في " الدر المصون " بأن الثاني غلط فإنه ورد دخول اللام عليه في قوله تعالى: * (إن هذا لهو القصص الحق) * ودخوله على المضارع مما ذهب إليه الجرجاني وبعض النحاة، وجعلوا من ذلك قوله تعالى: * (إنه هو يبدىء ويعيد) * ولعل ذلك المجوز ممن يرى هذا الرأي والعجب من أبي البقاء فإنه رد ذلك هنا وجوزه في قوله تعالى: * (ومكر أولئك هو يبور) * كما نقله في " المغني ".
* (ونحن الوارثون) * أي الباقون بعد فناء الخلق قاطبة لمالكون للملك عند انقضاء زمان الملك المجازي، الحاكمون في الكل أولا وآخرا وليس لأحد إلا التصرف الصوري والملك المجازي وفي هذا تنبيه على أن المتأخر ليس بوارث للمتقدم كما يتراآى من ظاهر الحال، وتفسير الوارث بالباقي مروي عن سفيان وغيره، وفسر بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: " اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا " وهو من باب الاستعارة.
* (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستاخرين) * .
* (ولقد علمنا المستقدمين منكم) * من مات * (ولقد علمنا المستأخرين) * من هو حي لم يمت بعد أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس، وفي رواية أخرى عنه المستقدمين آدم عليه السلام ومن مضى من ذريته والمستأخرين من في أصلاب الرجال، وروى مثله عن قتادة، وعن مجاهد المستقدمين من مضي من الأمم و * (المستأخرين) * أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: من تقدم ولادة وموتا ومن تأخر كذلك مطلقا وهو من المناسبة بمكان وروى عن الحسن أنه قال: من سبق إلى الطاعة ومن تأخر فيها، وروى عن معتمر أنه قال: بلغنا أن الآية في القتال فحدثت أبي فقال لقد نزلت قبل أن يفرض القتال، فعلى هذا أخذ الجهاد في عموم الطاعة ليس بشيء، على أه ليس في تفسير ذلك بالمستقدمين والمستأخرين فيها كمال مناسبة، والمراد من علمه تعالى بهؤلاء علمه سبحانه بأحوالهم، والآية لبيان كمال علمه جل وعلا بعد الاحتجاج على كمال قدرته تعالى فإن ما يدل عليها دليل عليه ضرورة أن القادرة على كل شيء لا بد من علمه بما يصنعه وفي تكرير قوله تعالى: * (ولقد علمنا) * ما لا يخفى من الدلالة على التأكيد. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في " سننه ". وجماعة من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله تعالى الآية، وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن أبي الجوزاء أنه قال في الآية ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة ولم يذكر من حديث المرأة شيئا، قال الترمذي: هذا أشبه أن يكون أصح، وقال الربيع بن أنس: حرض النبي صلى الله