تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٤٥
الغير ومتاركته واستعملت في الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان أي والذين هجروا أوطانهم وتركوها في الله تعالى وخرجوا * (من بعد ما ظلموا) * أي من بعد ظلم الكفار إياهم. أخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن قتادة قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ظلمهم أهل مكة فخرجوا من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة ثم بوأهم الله تعالى المدينة بعد ذلك حسبما وعد سبحانه بقوله جل وعلا: * (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) * أي مباءة حسنة، وحاصله لننزلهم في الدنيا منزلا حسنا، وعن الحسن دارا حسنة، والتقدير الأول أظهر لدلالة الفعل عليه، والثاني أوفق بقوله تعالى: * (تبوؤا الدار) * (الحشر: 9)، وأيا ما كان - فحسنة - صفة محذوف منصوب نصب الظروف، وجوز أن يكون مفعولا ثانيا لنبؤئنهم على معنى لنعطينهم منزلة حسنة، وفسر ذلك بالغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة، وقيل: هي ما بقي لهم في الدنيا من الثناء وما صار لأولادهم من الشرف، وعن مجاهد أن التقدير معيشة حسنة أي رزقا حسنا، وقيل: التقدير عطية حسنة، والمراد بالعطية المعطي، ويفسر ذلك بكل شيء حسن ناله المهاجرون في الدنيا، وقدر بعضهم تبوئة حسنة فهو صفة مصدر محذوف، وقد تعتبر هذه التبوئة بحيث تشمل إعطاء كل شيء حسن صار للمهاجرين على نحو السابق. وفي " البحر " أن الظاهر أن انتصاب * (حسنة) * على المصدر على غير الصدر لأن معنى لنبوئنهم لنحسنن إليهم فحسنة بمعنى إحسانا، وعلى جميع التقادير * (الذين هاجروا) * مبتدأ وجملة * (لنبوئنهم) * خبره.
وجوز أبو البقاء أن يكون * (الذين) * منصوب بفعل محذوف يفسره المذكور، والأول متعين عند أبي حيان قال: وفيه دليل على صحة وقوع الجملة القسمية خبرا للمبتدأ خلافا لثعلب، والذي ذهب إليه بعض المحققين أن الخبر في مثل ذلك إنما هو جملة الجواب المؤكدة بالقسم وهي إخبارية لا إنشائية، واعترض على أبي البقاء في الوجه الثاني بأنه لا يجوز النصب بالفعل المحذوف إلا حيث يجوز للمذكور أن يعمل في ذلك المنصوب حتى يصح أن يكون مفسرا وما هنا ليس كذلك فإنه لا يجوز زيدا لأضربن فلا يجوز زيدا لأضربنه، والجار والمجرور متعلق بما عنده، وقيل: بمحذوف وقع حالا من * (حسنة) * هذا.
ونقل عن ابن عباس أن الآية نزلت في صهيب. وبلال. وعمار. وخباب. وعابس. وجبير. وأبي جندل بن سهيل أخذهم المشركون فجعلوا يعذبونهم ليردوهم عن الإسلام، فأما صهيب فقال لهم: أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم بماله وهاجر فلما رآه أبو بكر رضي الله تعالى عنه قال: ربح البيع يا صهيب؛ وقال عمر رضي الله تعالى عنه: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، والجمهور على ما روي عن قتادة بل قال ابن عطية: إنه الصحيح، ولم نجد لهذا الخبر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سندا يعول عليه. وذكر العلامة الشيخ بهاء الدين السبكي في شرح التلخيص كغيره من المحدثين مثل الحافظ العلامة زين الدين عبد الرحيم العراقي وولده الفقيه الحافظ أبي زرعة وغيرهما فيما نسب لعمر رضي الله تعالى عنه فيه من قوله: نعم العبد صهيب إلى آخره أنا لم نجده في شيء من كتب الحديث بعد الفحص الشديد، وهذا يوقع شبهة قوية في صحة ذلك. نعم في " الدر المنثور "، أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في هؤلاء الذين هاجروا: هم قوم من أهل مكة هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»