أصلا لأن مدار الأهلية هو القرابة الدينية وقد انقطعت بالكفر فلا علاقة بين مسلم وكافر ولذا لم يتوارثا، وقد ذكروا أن قرابة الدين أقرب من قرابة النسب كما أشار إلى ذلك أبو فراس بقوله: كانت مودة سلمان له نسبا * ولم يكن بين نوح وابنه رحم أو * (ليس من أهلك) * الذين أمرتك بحملهم في الفلك لخروجه عنه بالاستثناء، وحكى هذا عن ابن جرير. وعكرمة، والأول عن ابن عباش رضي الله تعالى عنهما؛ وعلى القولين ليس هو من الذين وعد بإنجائهم، وكأنه لما كان دعاؤه عليه السلام بتذكير وعده جل ذكره مبنيا على كون كنعان من أهله نفى أولا كونه منهم، ثم علل عدم كونه منهم على طريقة الاستئناف التحقيقي بقوله سبحانه: * (إنه عمل غير صالح) * وأصله إنه ذو عمل فاسد فحذف ذو للمبالغة بجعله عين عمله لمداومته عليه، ولا يقدر المضاف لأنه حينئذ تفوت المبالغة المقصودة منه، ونظير ذلك ما في قول الخنساء ترثي أخاها صخرا: ما أم سقب على بو تحن له * قد ساعدتها على التحنان آظار ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت * فإنما هي إقبال وإدبار يوما بأوجع مني حين فارقني * صخر وللعيش إحلاء وإمرار وأبدل فاسد بغير - صالح - إما لأن الفاسد ربما يطلق على ما فسد ومن شأنه الصلاح فلا يكون نصا فيما هو من قبيل الفاسد المحض كالمظالم، وإما للتلويح بأن نجاة من نجاة إنما هو لصلاحه.
وقرأ الكسائي. ويعقوب * (إنه عمل غير صالح) * على صيغة الفعل الماضي، ونصب * (غير) * وهي قراءة على كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وأنس. وعائشة، وقد روتها هي وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل عمل عملا غير صالح، وبه قرء أيضا كما روي عن عكرمة فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وذلك شائع مطرد عند انكشاف المعنى وزوال اللبس، وضعفه بعضهم هنا بأن العرب لا تكاد تقول: * (عمل غير صالح) * وإنما تقول عمل عملا غير صالح، وليس بشيء، وأيد بهذه القراءة كون ضمير إنه في القراءة الأولى لابن نوح لأنه فيها له قطعا فيضعف ما قيل: إنه في الأولى لترك الركوب معهم والتخلف عنهم أي إن ذلك الترك * (عمل غير صالح) * على أنه خلاف الظاهر في نفسه كما لا يخفى. ومثله في ذلك ما قيل: إنه لنداء نوح عليه السلام أي إن نداءك هذا * (عمل غير صالح) * وتخرج بذلك الجملة عن أن تكون تعليلا لما تقدم ويفوتما في ذاك من الفائدة ولا يكون الكلام على مساق واحد، نعم روي عن ابن عباس ما يقتضيه فقد أخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عنه أنه قال: إن نساء الأنبياء عليهم السلام لا يزنين، ومعنى الآية مسألتك إياي يا نوح * (عمل غير صالح) * لا أرضاه لك.
وفي رواية ابن جرير عنه سؤال ما ليس لك به علم عمل غير صالح، ولعل ذلك لم يثبت عن هذا الحبر لأن الظاهر من الرواية الأولى أنه إنما جعل الضمير للمسألة دون ابن نوح لما في ذلك من نسبة الزنا إلى من لا ينسب إليه وهو رضي الله تعالى عنه أجل قدرا من أن يخفى عليه أنه لا يلزم من ذلك هذا المحذور، ثم إنه لما كان دعاؤه عليه السلام مبنيا على كون كنعان من أهله وقد نفى ذلك وحقق ببيان علته فرع على ذلك النهي عن سؤال إنجائه إلا أنه جيء بالنهي على وجه عام يندرج فيها ما ذكر اندراجا أوليا فقال سبحانه: * (فلا تسئلن) *