أعلم بما يقاسي زيد من عمرو إذا كان ما يقاسيه منه أمرا عظيما لا يستطاع شرحه، فكأنه قيل: إن إيمانهم عظيم القدر جليل الشأن فكيف أقول لن يؤتيهم الله تعالى إيمانا ثابتا، وفيه من التكلف والتعسف ما الله تعالى به أعلم، وحمل الموصول على أناس مسترذلين جدا غير أولئك ولم يؤمنوا بعد أي لا أقول للذين تزدريهم أعينكم ولم يؤمنوا بعد لن يوفقهم الله تعالى للإيمان حيث كانوا في غاية من رثاثة الحال والدناءة التي تزعمونها مانعة من الخير * (الله أعلم بما في أنفسهم) * مما يتأهلون به لإفاضة التوفيق عليهم وهو المدار لذلك لا الأحوال الظاهرة مما لا أقول به * (إني إذا) * أي إذا قلت ذلك * (لمن الظالمين) * لهم بحط مرتبتهم ونقص حقوقهم، أو من الظالمين لأنفسهم بذلك، وفيه تعريض بأنهم ظالمون في ازدرائهم واسترذالهم.
ويجوز أن يكون إذا قلت شيئا مما ذكر من حيازة الخزائن وادعاء علم الغيب والملكية، ونفي إيتاء الله تعالى أولئك الخير والقول لمزيد جهلهم محتاجون لأن يعلل لهم نحو الأقوال الأول بلزوم الانتظام في زمرة الظالمين.
* (قالوا يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنآ إن كنت من الصادقين) * * (قالوا يا نوح قد جادلتنا) * أي خاصمتنا ونازعتنا، وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله ومنه الجديل وجدلت البناء أحكمته، ودرع مجدولة، والأجدل الصقر المحكم البنية، والمجدل القصر المحكم البناء، وسميت المنازعة جدالا لأن المتجادلين كأنهما يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه، وقيل: الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة * (فأكثرت جدالنا) * عطف على ما قبله على معنى شرعت في جدالنا فأطلته أو أتيت بنوع من أنواع الجدال فأعقبته بأنواع أخر فالفاء على ظاهرها، ولا حاجة إلى تأويل * (جادلتنا) * بأردت جدالنا - كما قاله الجمهور - في قوله تعالى: * (إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) * ونظير ذلك جادل فلان فأكثر، وجعل بعضهم مجموع ذلك كناية عن التمادي والاستمرار.
وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما جدلنا، وهو - كما قال ابن جني - اسم بمعنى الجدال ولما حجهم عليه السلام وأبرز لهم ما ألقمهم به الحجر ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل. وقالوا: * (فأتنا بما تعدنا) * من العذاب المعجل، وجوز أن يكون المراد به العذاب الذي أشير إليه في قوله: * (إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) * بناءا على أن لا يكون المراد باليوم يوم القيامة، و * (ما) * موصولة والعائد محذوف أي بالذي تعدنا به، وفي " البحر " تعدناه، وجوز أن تكون مصدرية وفيه نوع تكلف * (إن كنت من الصادقين) * في حكمك بلحوق العذاب إن لم نؤمن بك.
* (قال إنما يأتيكم به الله إن شآء ومآ أنتم بمعجزين) * * (قال إنما يأتيكم به الله إن شاء) * أي إن ذلك ليس إلى ولا مما هو داخل تحت قدرتي وإنما هو لله عز وجل الذي كفرتم به وعصيتم أمره يأتيكم به عاجلا أو آجلا إن تعلقت به مشيئته التابعة للحكمة، وفيه كما قيل: ما لا يخفى من تهويل الموعود، فكأنه، قيل: الإتيان به أمر خارج عن دائرة القوى البشرية وإنما يفعله الله تعالى.
وفي الإتيان بالاسم الجليل الجامع تأكيد لذلك التهويل * (وما أنتم بمعجزين) * بمصيريه سبحانه وتعالى عاجزا بدفع العذاب أو الهرب منه، والباء زائدة للتأكيد، والجملة الاسمية للاستمرار، والمراد استمرار النفي وتأكيده لا نفي الاستمرار والتأكيد وله نظائر.
* (ولا ينفعكم نصحىإن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) * * (ولا ينفعكم نصحي) * النصح تحري قول أو فعل فيه صلاح وهو كلمة جامعة، وقيل: هو إعلام مواقع الغي ليتقى. ومواضع الرشد ليقتفى، وهو من قولهم: نصحت له الود أي أخلصته،