تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٩٠
* (فاختلفوا) * بأن كفر بعضهم وثبت الآخرون على ما هم عليه فخالف كل من الفريقين الآخر، والفاء للتعقيب وهي لا تنافي امتداد زمان الاتفاق إذ المراد بيان وقوع الاختلاف عقيب انصرام مدة الاتفاق لا عقيب حدوثه * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * بتأخير القضاء بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة فإنه يوم الفصل والجزء * (لقضي بينهم) * عاجلا * (فيما فيه يختلفون) * بأن ينزل عليهم آيات ملجئة إلى اتباع الحق ورفع الاختلاف أو بأن يهلك المبطل ويبقى المحق، وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية والدلالة على الاستمرار، ووجه ارتباط الآية بما قبلها أنها كالتأكيد لما أشار إليه من أن التوحيد هو الدين الحق حيث أفادت أنه ملة قديمة اجتمعت عليها الأمم قاطبة وأن الشرك وفروعه جهالات ابتدعها الغواة خلافا للجمهور وشقا لعصا الجماعة، وقيل: وجه ذلك أنه سبحانه بين فيما قبل فساد القوم بعبادة الأصنام وبين في هذه أن هذا المذهب ليس مذهبا للعرب من أول الأمر بل كانوا على الدين الحق الخالي عن عبادة الأصنام وإنما حدثت فيهم عبادتها بتسويل الشياطين.
قيل: والغرض من ذلك أن العرب إذا علموا أن ما هم عليه اليوم لم يكن من قبل فيهم وإنما حدث بعد أن لم يكن لم يتعصبوا لنصرته ولم يتأذوا من تزييفه وإبطاله. وعن الكلبي أن معنى كونهم أمة واحدة اتفاقهم على الكفر وذلك في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وروى مثله عن الحسن إلا أنه قال: كانوا كذلك من لدن وفاة آدم إلى زمن نوح عليهما السلام ثم آمن من آمن وبقي من بقي على الكفر. وفائدة إيراد هذا الكلام في هذا المقام تسليته صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: لا تطمع في أن يصير كل من تدعوه إلى الإيمان والتوحيد مجيبا لك قابلا لدينك فإن الناس كلهم كانوا على الكفر وإنما حدث الإيمان في بعضهم بعد ذلك فكيف تطمع في اتفاق الكل عليه. واعترض بأنه يلزم على هذا خلو الأرض في عصر عن مؤمن بالله تعالى عارف به وقد قالوا: إن الأرض في كل وقت لا تخلو عن ذلك. وأجيب بأن عدم الخلو في حيز المنع فقد ورد في بعض الآثار أن الناس قبل يوم القيامة ليس فيهم من يقول الله الله، وعلى تقدير التسليم المراد بالاتفاق على الكفر اتفاق الأكثر.
والحق أن هذا القول في حد ذاته ضعيف فلا ينبغي التزام دفع ما يرد عليه، وأضعف منه بل لا يكاد يصح كون المراد أنهم كانوا أمة واحدة فاختلفوا بأن أحدث كل منهم ملة على حدة من ملل الكفر مخالفة لملة الآخر لأن الكلام ليس في ذلك الاختلاف إذ كل من الفريقين مبطل حينئذ فلا يتصوران يقضي بينهما بإبقاء المحق وإهلاك المبطل أو بإلجاء أحدهما إلى اتباع الحق ليرتفع الاختلاف كما لا يخفى هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (الر) * (يونس: 1) إشارة إلى الذات الذي هو أول الوجود و * (ل) * إشارة إلى العقل المسمى جبريل عليه السلام وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ويفيض إلى المنتهى، و * (ر) * إشارة إلى الرحمة التي هي الذات المحمدية وهي في الحقيقة أول ووسط آخر لكن الاعتبارات مختلفة، وكأن ذلك قسم منه تعالى بالحقيقة المحمدية على أن ما تضمنته السورة أو القرآن من الآي آيات الكتاب المتقن وقيل: المعنى ما أشير إليه بهذه الأحرف أركان كتاب الكل ذي الحكمة أو المحكم ومعظم تفاصيله * (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم) * أنكار لتعجبهم من سنة الله الجارية وهي الإيحاء إلى رجل، وكان ذلك لبعدهم عن مقامهم وعدم مناسبة حالهم لحاله ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه * (أن أنذر الناس) * أي خوفهم
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»