تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٩
وفيها أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا وأراد اختصاص السبق بالمهاجرين، وظاهر تقديم المهاجرين على الأنصار مشعر بأنهم أفضل منهم وهو الذي يدل عليه قصة السقيفة، وقد جاء في فضل الأنصار ما لا يحصى من الأخبار. ومن ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار ".
وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله تعالى بحنين في أهل مكة من قريش وغيرهم فغضب الأنصار فأتاهم فقال: " يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناسا أتألفهم على الإسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل الله تعالى قلوبهم الإسلام ثم قال: يا معشر الإسلام ألم يمن الله تعالى عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله تعالى وأنصار روسله عليه الصلاة والسلام ولولا الهجرة لكنت أمرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم البعير والشاء وتذهبون برسول الله؟ فقالوا: رضينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوني فيما قلت. قالوا: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور، وجدتنا على شفا حفرة من النار فانقذنا الله بك، وجدتنا ضلالا فهدانا الله تعالى بك فرضينا بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، فقال عليه الصلاة والسلام: لو اجببتموني بغير هذا القول لقلت: صدقتم لو قلتم ألم تأتنا طريدا فآويناك؟ ومكذبا فصدقناك؟ ومخذولا فنصرناك وقبلنا ما رد الناس عليك لصدقتم، قالوا: بل لله تعالى ولرسوله المن والفضل علينا وعلى غيرنا " فانظر كيف قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أجابوه رضي الله تعالى عنهم * (وأعد لهم جن‍ات تجري تحتها الأنهار) * أي هيأ لهم ذلك في الآخرة. وقرأ ابن كثير * (من تحتها) * وأكثر ما جاء في القرآن موافق لهذه القراءة * (خ‍الدين فيها أبدا) * من غير انتهاء * (ذلك الفوز العظيم) * أي الذي لا فوز وراءه، وما في ذلك من معنى البعد قيل لبيان بعد منزلتهم في الفضل وعظم الدرجة من مؤمني الأعراب، ولا يخفى أن هذا لا يكاد يصح إلا بتكلف ما إذا أريد من الذين اتبعوهم صنف آخر غير الصحابة لأن الظاهر أن مؤمني الأعراب صحابة ولا يفضل غير صحابي صحابيا كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "، وقوله صلى الله عليه وسلم: " أمتى كالمطر لا يدري أوله خير أم آخره " من باب المبالغة.
* (وممن حولكم من الاعراب من‍افقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) * * (وممن حولكم من الأعراب) * شروع في بيان منافقي أهل المدينة ومن حولها من الأعراب بعد بيان حال أهل البادية منهم أي وممن حول بلدكم * (منافقون) * والمراد بالموصول كما أخرج ابن المنذر عن عكرمة: جهينة. ومزينة. وأشجع. وأسلم. وغفار؛ وكانت منازلهم حول المدينة، وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين كالبغوي. والواحدي. وابن الجوزي. وغيرهم. واستشكل ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم مدح هذه القبائل ودعا لبعضها. فقد أخرج الشيخان. وغيرهما عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " قريش. والأنصار. وجهينة. ومزينة. واشجع. وأسلم. وغفار موالي الله تعالى ورسوله لا موالي لهم غيره، وجاء عنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال:
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»