تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٥
يعنى بها ما أشرنا إليه، والآية المذكورة كما روي عن الكلبي نزلت في أسد. وعطفان، والعبرة بعموم اللفظ لا لخصوص السبب. * (وأجدر) * أي أحق وأخلق، وهو على ما قال الطبرسي مأخوذ من جدر الحائط بسكون الدال وهو أصله وأساسه ويتعدى بالباء فقوله تعالى: * (ألا يعلموا) * بتقدير بأن لا يعلموا * (حدود ما أنزل الله على رسوله) * وهي كما أخرج أبو الشيخ عن الضحاك الفرائض وما أمروا به من الجهاد، وأدرج بعضهم السنن في الحدود، والمشهور أنها تخص الفرائض، أو الأوامر والنواهي لقوله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * (البقرة: 229) و * (تلك حدود الله فلا تقربوها) * (البقرة: 187)، ولعل ذلك من باب التغليب ولا بعد فيه فإن الأعراب أجدر أن لا يعلموا كل ذلك لبعدهم عمن يقتبس منه، وقيل: المراد منها بقرينة المقام وعيده تعالى على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد، وقيل: مقادير التكاليف. * (والله عليم) * يعلم أحوال كل من أهل الوبر والمدر * (حكيم) * بما سيصيب به مسيئهم ومحسنهم من العقاب والثواب.
* (ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دآئرة السوء والله سميع عليم) * * (ومن الأعراب) * أي من جنسهم الذي نعت بنعت بعض أفراده. وقيل: من الفريق المذكور * (من يتخذ) * أي يعد * (ما ينفق) * أي يصرفه في سبيل الله تعالى ويتصدق به كما يقتضيه المقام * (مغرما) * أي غرامة وخسرانا من الغرا بمعنى الهلاك، وقيل: من الغرم وهو نزول نائبة بالمال من غير جناية، وأصله من الملازمة ومنه قيل لكل من المتداينين غريم، وإنما أعدوه كذلك لأنهم لا ينفقونه احتسابا ورجاء لثواب الله تعالى ليكون لهم مغنما وإنما ينفقونه تقية ورئاء الناس فيكون غرامة محضة، وما في صيغة الاتخاذ من معنى الاختيار والانتفاع بما يتخذ إنما هو باعتبار غرض المنفق من الرياء والتقية لا باعتبار ذات النفقة أعني كونها غرامة * (ويتربص بكم الدوائر) * أي ينتظر بكم نوب الدهر ومصائبه التي تحيط بالمرء لينقلب بها أمركم ويتبدل بها حالكم فيتخلص مما ابتلي به * (عليهم دائرة السوء) * دعاء عليهم بنحو ما يتربصون به، وهو اعتراض بين كلامين كما في قوله تعالى: * (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) * (المائدة: 64) الخ، وجوز أن تكون الجملة اخبارا عن وقوع ما يتربصون به عليهم، والدائرة اسم للنائبة وهي في الأصل مصدر كالعافية والكاذبة أو اسم فاعل من دار يدور وقدم تمام الكلام عليها، و * (السوء) * في الأصل مصدر أيضا ثم أطلق على كل ضرر وشر وقد كان وصفا للدائرة ثم أضيفت إليه فالإضافة من باب إضافة الموصوف إلى صفته كما في قولك: رجل صدق وفيه من المبالغة ما فيه، وعلى ذلك قوله تعالى: * (ما كان أبوك أمرأ سوء) * (مريم: 28) وقيل: معنى الدائرة يقتضي معنى السوء فالإضافة للبيان والتأكيد كما قالوا: شمس النهار ولحيا رأسه. وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو * (السوء) * هنا وفي ثانية الفتح بالضم وهو حينئذ اسم بمعنى العذاب وليس بمصدر كالمفتوح وبذلك فورق الفراء بينهما: وقال أبو البقاء: السوء بالضم الضرر وهو مصدر في الحقيقة يقال: سؤته سوءا ومساءة ومسائية وبالفتح الفساد والرداءة، وكأنه يقول بمصدرية كل منهما في الحقيقة كما فهمه الشهاب من كلامه، وقال مكي: المفتوح معناه الفساد والمضمون معناه الهزيمة والضرر وظاهره كما قيل إنهما اسمان * (والله سميع) * بمقالاتهم الشنيعة عند الانفاق * (عليم) * بنياتهم الفاسدة التي من جملتها أن يتربصوا بكم الدوائر، وفيه من شدة الوعيد
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»