بطريق التعميم لما روي مما يدل على رغبته عليه الصلاة والسلام في ذلك أيضا كالهم بالدعاء، وفيه بيان لأن أيمانهم فاجرة وإيمانهم في زوايا العدم وأن أجيبوا إلى ما سألوه. وجوز بعضهم دخوله تحت الأمر ولا وجه له إلا أن يقدر قل للكافرين: إنما الآيات عند الله وللمؤمنين وما يشعركم الخ وهو تكلف لا داعي إليه. وعن مجاهد أن الخطاب للمشركين وهو داخل تحت الأمر وفيه التفات و * (أنها) * الخ عنده إخبار ابتدائي كما يدل عليه ما رواه عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ.
و (ما) استفهامية إنكارية - على ما قاله غير واحد - لا نافية لما يلزم عليه من بقاء الفعل بلا فاعل، وجعله ضمير الله تعالى تكلف أو غير مستقيم إلا على بعد، واستشكل بأن المشركين لما اقترحوا ءاية وكان المؤمنون يتمنون نزولها طمعا في إسلامهم كان في ظنهم إيمانهم على تقدير النزول، فإذا أريد الإنكار عليهم فالمناسب إنكار الإيمان لا عدمه كأنهم قالوا: ربنا أنزل للمشركين ءاية فإنه لو نزلت يؤمنون، وحينئذ يقال في الإنكار: ما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون. ويتضح هذا بمثال، وذلك أنه إذا قال لك القائل: أكرم فلانا فإنه يكافئك وكنت تعلم منه عدم المكافاة فإنك إذا أنكرت على المشير بإكرامه قلت: وما يدريك أني إذا أكرمته يكافئني فأنكرت عليه إثبات المكافاة وأنت تعلم نفيها فإن قال لك: لا تكرمه فإنه لا يكافئك وأنت تعلم منه المكافاة وأردت الإنكار على المشير بحرمانه قلت: وما يدريك أنه لا يكافئني فأنكرت عليه عدم المكافاة وأنت تعلم ثبوتها.
والآية كما لا يخفى من قبيل المثال الأول فكان الظاهر حيث ظنوا أيمانهم ورغبوا فيه وعلم الله تعالى عدم وقوعه منهم ولو نزل عليهم الملائكة وكلمهم الموتى أن يقال:
وما يشعركم أنهم إذا جاءت يؤمنون. وأجاب عنه بعضهم بأن هذا الاستفهام في معنى النفي وهو إخبار عنهم بعدم العلم لا إنكار عليهم، والمعنى أن الآيات عند الله تعالى ينزلها بحسب المصلحة، وقد علم سبحانه أنهم لا يؤمنون ولا تنجع فيهم الآيات وأنتم لا تدرون ما في الواقع وفي علم الله تعالى وهو أنهم لا يؤمنون فلذلك تتوقعون إيمانهم، والحاصل أن الاستفهام للإنكار وله معنيان لم ولا فإن كان بمعنى لم يقال ما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون بدون لا على معنى لم قلتم أنها إذا جاءت يؤمنون وتوقعتم ذلك؟ وإن كان بمعنى لا يقال ما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بإثبات لا على معنى لا تعلمون أنهم لا يؤمنون فلذا توقعتم إيمانهم ورغبتم في نزول آية لهم؛ وهذا الثاني هو المراد ويرجع إلى إقامة عذر المؤمنين في طلبهم ذلك ورغبتهم فيه. وأجاب آخرون بأن * (لا) * زائدة كما في قوله تعالى: * (ما منعك أن لا تسجد) * (الأعراف: 12) و * (حرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) * (الأنبياء: 95) فإنه أريد تسجد ويرجعون بدون لا. وعن الخليل أن (أن) بمعنى لعل كما في قولهم: ائت السوق أنك تشتري لحما؛ وقول امرىء القيس:
عرجوا على الطلل المحيل لأننا $ نبكي الديار كما بكى ابن خذام وقول الآخر: هل أنتم عائجون بنا لأنا $ نرى العرصات أو أثر الخيام ويؤيده أن يشعركم ويدريكم بمعنى. وكثيرا ما تأتي لعل بعد فعل الدراية نحو * (وما يدريك لعله يزكى) * (عبس: 3) وأن في مصحف أبي رضي الله تعالى عنه * (وما أدراك لعلها) * والكلام على هذا قد تم قبل * (أنها) * والمفعول الثاني ليشعركم محذوف والجملة استئناف لتعليل الإنكار وتقديره أي شيء يعلمكم حالهم وما سيكون عند مجيء ذلك لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فما لكم تتمنون مجيئها فإن تمنيه إنما يليق بما إذا كان إيمانهم بها متحقق الوقوع عند مجيئها لا مرجو العدم. ومن الناس من زعم أن * (أنها) * الخ جواب قسم محذوف بناء على أن أن في جواب