تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٥٦
يحسبه الظمآن ماء، وهكذا غالب كلام المعتزلة.
* (ونذرهم) * أي ندعهم * (في طغيانهم) * أي تجاوزهم الحد في العصيان * (يعمهون) * أي يترددون متحيرين وهذا عطف على * (لا يؤمنون) * (الأنعام: 109) قيد بما قيد به أيضا مبين لما هو المراد بتقليب الأفئدة والأبصار معرب عن حقيقته بأنه ليس على ظاهره. والجار متعلق بما عنده. وجملة * (يعمهون) * في موضع الحال من الضمير المنصوب في * (نذرهم) *. وقرىء (يقلب ويذر) على الغيبة والضمير لله عز وجل. وقرأ الأعمش * (وتقلب) * على البناء للمفعول وإسناده إلى أفئدتهم. هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم) * (الأنعام: 87) قال الجنيد قدس سره: أي أخلصانهم وآويناهم لحضرتنا ودللناهم للاكتفاء بنا عما سوانا * (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) * وهم أهل السابقة الذين سألوه سبحانه الهداية بلسان الاستعداد الأزلي * (ولو أشركوا) * بالميل إلى السوى وهو شرك الكاملين كما أشار إليه سيدي عمر بن الفارض قدس سره بقوله: ولو خطرت لي في سواك إرادة $ على خاطري سهوا حكمت بردتي * (لحبط عنهم ما كانوا يعملون) * (الأنعام: 88) لعظم ما أتوا به * (إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13) * (فإن يكفر بها هؤلاء) * وهو المحجوبون * (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) * (الأنعام: 89) وهم العارفون بالله عز وجل الذين هم خزائن حقائق الإيمان. وفي الخبر " لا يزال طائفة من أمتي قائمين بأمر الله تعالى لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه وهم على ذلك " * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم) * وهو آداب الشريعة والطريقة والحقيقة * (اقتده) * (الأنعام: 90) أمر له صلى الله عليه وسلم أن يتصف بجميع ما تفرق فيهم من ذلك الهدى وكان ذلك على ما قيل في منازل الوسائط، ولما كحل عيون أسراره بكحل الربوبية جعله مستقلا بذاته مستقيما بحاله وأخرجه من حد الإرادة إلى حد المعرفة والاستقامة ولذا أمره عليه الصلاة والسلام بإسقاط الوسائط كما يشير إليه قوله سبحانه: * (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) * (الأعراف: 203) مع قوله صلى الله عليه وسلم: " لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ". وقال بعض العارفين: ليس في هذا توسيط الوسائط لأنه أمر بالاقتداء بهداهم لا بهم. ونظيره * (أن اتبع ملة إبراهيم) * (النحل: 123) حيث لم يقل سبحانه أن أتبع إبراهيم * (وما قدروا الله حق قدره) * أي ما عرفوه حق معرفته * (إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) * (الأنعام: 91) أي لم يظهر من علمه وكلامه سبحانه على أحد شيئا وذلك لزعمهم البعد من عباده جل شأنه وعدم إمكان ظهور بعض صفاته على مظهر بشري ولو عرفوا لما أنكروا ولا اعتقدوا أنه لا مظهر لكمال علمه وحكمته إلا الإنسان الكامل بل لو ارتفع الحول عن العين لما رأوا الواحد إثنين * (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) * لما فيه من أسرار القرب والوصال والتشويق إلى الحسن والجمال بل منه تجلى الحق لخلقه لو يعلمون. * (مصدق الذي بين يديه) * من التوراة والإنجيل لجمعه الظاهر والباطن على أتم وجه * (ولتنذر أم القرى) * وهي القلب * (ومن حولها) * (الأنعام: 92) من القوى * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * كمن ادعى الكمال والوصول إلى التوحيد والخلاص عن كثرة صفات النفس وزعم أنه بالله عز وجل وأنه من أهل الإرشاد وهو ليس كذلك * (أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) * كمن سمى مفتريات وهمه وخياله ومخترعات عقله وفكره وحيا فيضا من الروح القدسي فتنبأ لذلك * (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) * كمن تفرعن وادعى الألوهية * (ولو ترى إذ الظالمون) * وهم هؤلاء الأصناف الثلاثة * (في غمرات الموت) * الطبيعي * (والملائكة باسطوا أيديهم) * بقبض أرواحهم
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 » »»