تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٧١
لم يزدد إلا عطشا، وفي رواية: إن الذين شربوا اسودت شفاههم وغلبهم العطش وكان ذلك من قبيل المعجزة لذلك النبي، وقرأ أبي والأعمش (إلا قليل) بالرفع وجعلوه من الميل إلى جانب المعنى فإن قوله تعالى: * (فشربوا منه) * في قوة أن يقال: فلم يطيعوه فحق أن يرد المستثنى مرفوعا كما في قول الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان - لم يدع - * من المال إلا مسحت أو مجلف فإن قوله: لم يدع في حكم لم يبق. وذهب أبو حيان إلى أنه لا حاجة إلى التأويل، وجوز في الموجب وجهين النصب وهو الأفصح والاتباع لما قبله على أنه نعت أو عطف بيان وأورد له قوله: وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان ولا يخفى ما فيه * (فلما جاوزه) * أي النهر وتخطاه * (هو) * أي طالوت * (والذين ءامنوا) * عطف على الضمير المتصل المؤكد بالمنفصل، والمراد بهم القليلون والتعبير عنهم بذلك تنويها بشأنهم وإيماءا إلى أن من عداهم بمعزل عن الإيمان * (معه) * متعلق - بجاوز - لا - بآمنوا - وجوز أن يكون خبرا عن (الذين) بناءا على أن الواو للحال كأنه قيل: فلما جاوزه والحال إن الذين آمنوا كائنون معه.
* (قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) * أي لا قدرة لنا بمحاربتهم ومقاومتهم فضلا عن الغلبة عليهم، وجالوت كطالوت، والقائل بعض المؤمنين لبعض وهو إظهار ضعف لا نكوص لما شاهدوا من الأعداء ما شاهدوا من الكثرة والشدة، قيل: كانوا مائة ألف مقاتل شاكي السلاح، وقيل: ثلثمائة ألف * (قال) * على سبيل التشجيع لذلك البعض وهو استئناف بياني * (الذين يظنون) * أي يتيقنون * (أنهم مل‍اقوا الله) * بالبعث والرجوع إلى ما عنده وهم الخلص من أولئك والأعلون إيمانا فلا ينافي وصفهم بذلك إيمان الباقين فإن درجات المؤمنين في ذلك متفاوتة ويحتمل إبقاء الظن على معناه، والمراد يظنون أنهم يستشهدون عما قريب ويلقون الله تعالى، وقيل: الموصول عبارة عن المؤمنين كافة، وضمير (قالوا) للمنخزلين عنهم كأنهم قالوا ذلك اعتذارا عن التخلف والنهر بينهما ولا يخفى بعده لأن الظاهر أنهم قالوا هذه المقالة عند لقاء العدو ولم يكن المنخزلون إذ ذاك معهم، وأيضا أي حاجة إلى إبداء العذر عن التخلف مع ما سبق من طالوت أن الكارعين ليسوا منه في شيء فلو لم ينخزلوا لمنعوا من الذهاب معه.
* (كم من فئة) * أي قطعة من الناس وجماعة - من فأوت رأسه - إذا شققته أو من فاء إليه إذا رجع وأصلها على الأول: فيوة فحذفت لامها فوزنها فعة، وأصلها على الثاني: فيئة فحذفت عينها فوزنها فله. و * (كم) * هنا خبرية ومعناها كثير، و * (من) * زائدة، و * (فئة) * تمييز، وجوز أبو البقاء أن يكون * (من فئة) * في موضع رفع صفة ل‍ - كم - كما تقول عندي مائة من درهم ودينار، وجوز بعضهم أن تكون * (كم) * استفهامية ولعله ليس على حقيقته، ونقل عن الرضي أن (من) لا تدخل بعد (كم) الاستفهامية، فالقول بالخبرية أولى * (قليلة) * نعت - لفئة - على لفظها * (غلبت) * أي قهرت عند المحاربة * (فئة كثيرة) * بالنسبة إليها. * (بإذن الله) * أي بحكمه وتيسيره ولم يقولوا أطاقت حسبما وقع في كلام أصحابهم مبالغة في تشجيعهم وتسكين قلوبهم، وإذا حمل التنوين في * (فئة) * الأولى للتحقير، وفي - فئة - الثانية للتعظيم كان أبلغ في التشجيع وأكمل في التسكين وقد ورد مثل ذلك في قوله:
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 » »»