وحديث " سبقت رحمتي غضبي " محمول على الزيادة في الآثار أو تقدم ظهورها. وأصل الضلال الهلاك ومنه قوله تعالى: * (أئذا ضللنا في الأرض) * (السجده: 10) أي هلكنا وقوله تعالى: * (وأضل أعمالهم) * (محمد: 8) أي أهلكها والضلال في الدين الذهاب عن الحق، وقرأ أبو أيوب السختياني * (ولا الضألين) * بإبدال الألف همزة فرارا من التقاء الساكنين مع أنه في مثله جائز. وحكى أبو زيد دأبة وشأبة وعلى هذه اللغة قراءة عمرو بن عبيد: * (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جأن) * (الرحمن: 39) قوله: والأرض أما سودها فتجللت * بياضا وأما بيضها فادهامت وهل يقاس عليه أم لا؟ قولان وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعبد الله بن الزبير أنهما كانا يقرآن (وغير الضالين) والمتواتر لا كما في الإمام وهو سيف خطيب أتى بها لتأكيد ما في * (غير) * من معنى النفي والكوفيون يجعلونها هنا بمعناها والمراد بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى وقد روى ذلك أحمد في " مسنده " وحسنه ابن حبان في " صحيحه " مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم فيه خلافا للمفسرين فمن زعم أن الحمل على ذلك ضعيف لأن منكري الصانع والمشركين أخبث دينا من اليهود والنصارى فكان الاحتراز منهم أولى بل الأولى أن يحمل المغضوب عليهم على كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة وهم الفساق ويحمل الضالون على كل من أخطأ في الاعتقاد لأن اللفظ عام والتقييد خلاف الأصل فقد ضل ضلالا بعيدا إن كان قد بلغه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد تجاسر على تفسير كتاب الله تعالى مع الجهل بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاله في منكري الصانع لا يعتد به لأن من لا دين له لا يعتد بذكره، والعجب من الإمام الرازي أنه نقل هذا ولم يتعقبه بشيء سوى أنه زاد في الشطرنج بغلا فقال ويحتمل أن يقال المغضوب عليهم هم الكفار والضالون هم المنافقون وعلله بما في أول البقرة من ذكر المؤمنين ثم الكفار ثم المنافقين فقاس ما هنا على ما هناك وهل بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين قول لقائل أو قياس لقائس هيهات هيات دون ذلك أهوال، واستدل بعضهم على أن المغضوب عليهم هم اليهود بقوله تعالى: * (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) * (المائدة: 60) وعلى أن الضالين النصارى بقوله تعالى: * (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا) * (المائدة: 77) والأولى الاستدلال بالحديث لأن الغضب والضلال وردا جميعا في القرآن لجميع الكفار على العموم فقد قال تعالى: * (ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله) * (النحل: 106) وقال تعالى: * (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا) * (النساء: 167) ووردا لليهود والنصارى جميعا على الخصوص كما ذكره المستدل وإنما قدم سبحانه المغضوب عليهم على الضالين - مع أن الضلال في بادىء النظر سبب للغضب إذ يقال ضل فغضب عليه - لتقدم زمان المغضوب عليهم وهم اليهود على زمان الضالين وهم النصارى أو لأن الإنعام يقابل بالانتقام ولا يقابل بالضلال فبينهما تقابل معنوي بناء على أن الأول إيصال الخير إلى المنعم عليه والثاني إيصال الشر إلى المغضوب عليه أو لأن اليهود أشد في الكفر والعناد وأعظم في الخبث والفساد وأشد عداوة للذين آمنوا ولدا ضربت عليهم الذلة والمسكنة. وورد في الحديث: " من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود " رواه السلفي والديلمي وابن عدي، والنصارى دون ذلك وأقرب للإسلام منهم ولذا وصفوا بالضلال لأن الضال قد يهتدي، ومما يدل على أن اليهود أسوأ حالا من النصارى أنهم كفروا بنبيين محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام والنصارى كفروا بنبي واحد وهو نبينا صلى الله عليه وسلم وفضائحهم وفظائعهم أكثر مما عند النصارى كما ستقرؤه وتراه إن شاء الله تعالى، وقول النصارى
(٩٦)